[الزمر: 47] والمثل يحذف كثيرا في كلامهم، كقولك: ضربت ضرب زيد، تريد مثل ضربه، وأبو يوسف أبو حنيفة، تريد مثله. ولا هيثم الليلة للمطي وقضية ولا أبا حسن لها تريد، ولا مثيل هيثم، ولا مثل أبي حسن. كما أنه يزاد في نحو قولهم: مثلك لا يفعل كذا، تريد أنت وذلك أن المثلين يسد أحدهما مسد الآخر فكانا في حكم شيء واحد. " انتهى ". لا حاجة إلى تقدير مثل في قوله: ولو افتدي به. وكأن الزمخشري تخيل ان ما نفي أن يقبل لا يمكن أن يفتدى به فاحتاج إلى اضمار مثل: حتى يغاير بين ما نفي قبوله وبين ما يفتدى به وليس كذلك، لأن ذلك كما ذكرنا على سبيل الفرض والتقدير، إذ لا يمكن عادة أن أحدا يملك ملأ الأرض ذهبا بحيث لو بذله في أية جهة بذله لم يقبل منه بل لو كان ذلك ممكنا لم يحتج إلى تقدير مثل لأنه نفي قبوله حتى في حالة الإفتراء وليس ما قدر في الآية نظير ما مثل به، لأن هذا التقدير لا يحتاج إليه ولا معنى له ولا في اللفظ ولا المعنى ما يدل عليه فلا يقدر وأما في ما مثل به من: ضرب ضرب زيد وأبو يوسف أبو حنيفة فبضرورة العقل يعلم أنه لا بد من تقدير مثل إن ضربك يستحيل أن يكون ضرب زيد وذات أبي يوسف يستحيل أن تكون ذات أبي حنيفة وأما لا هيثم الليلة مطي، فدل على حذف مثل ما تقرر في اللغة العربية أن لا التي لنفي الجنس لا تدخل على الاعلام فتؤثر فيها، فاحتيج الى إضمار مثل لتبقى على ما تقرر فيها إذ تقرر انها لا تعمل إلا في الجنس لأن العلمية تنافي عموم الجنس.
وأما قوله: كما انه يزاد في مثلك لا يفعل كذا، تريد أنت فهنا قول قد قيل ولكن المختار عند حذاق النحويين ان الأسماء لا تزاد ولتقرير ان مثلك لا يفعل كذا ليست فيه مثل زائدة مكان غير هذا. ولو في قوله: ولو افتدى به وفيما قبله على سبيل الفرض لأنه لا يمكنه أن يأتي بملء الأرض ذهبا.
{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا } الآية مناسبتها لما قبلها انه لما أخبر تعالى عمن مات كافرا أنه لا يقبل منه ملء الأرض ذهبا على سبيل الفرض لو أتى به حض المؤمنين على الصدقة التي تنفع في الآخرة والبر ما تقرب به الى الله تعالى من أعمال الخير وغيا ذلك بلفظة حتى والإنفاق مما يحبه المؤمن ولما سمع الصحابة رضوان الله عليهم هذه الآية تصدقوا لما كانوا يحبون، فتصدق أبو طلحة ببئر حاء، وزيد بن حارثة بفرس له كان يحبها، وأبو ذر بفحل خير أبله. { به عليم } أي مجاز عليه.
[3.93-96]
{ كل الطعام } الآية مناسبتها لما قبلها انه تعالى أخبر أنه لا ينال البر إلا بالانفاق من المحبوب فروي أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فنذر لله تعالى أنه إن شفاه أن يحرم أحب الطعام والشراب إليه فحرم لحوم الابل وألبانها وكان ذلك أحب المأكول والمشروب إليه تقربا إلى الله تعالى. وروي أن هذه الآية نزلت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا على ملة إبراهيم فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الابل وألبانها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كان ذلك حلالا لأبي إبراهيم ونحن نحله. فقالت اليهود: بل كان ذلك حراما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا فأنزل الله ذلك تكذيبا لهم وإن إسرائيل حرم ذلك على نفسه قبل نزول التوراة.
{ قل فأتوا بالتوراة } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وقيل فأتوا محذوف تقديره هذا الحق لا زعمكم معشر اليهود فأتوا وهذه محاجة أن يؤمروا بإحضار كتابهم الذي فيه شريعتهم فإنه ليس فيه ما ادعوه بل هو مصدق لما أخبر به صلى الله عليه وسلم من أن تلك المطاعم كانت حلالا لهم في قديم وان التحريم هو حادث { إن كنتم صادقين } خرج مخرج الممكن وهم معلوم كذبهم وذلك على سبيل الهزء بهم.
{ فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك } الإشارة بذلك إلى التلاوة إذ مضمنها بيان مذهبهم وقيام الحجة القاطعة عليهم ويكون افتراء الكذب ان ينسب إلى كتب الله ما ليس فيها.
{ قل صدق الله } فيما أخبر به تعالى في كتبه المنزلة حتى في قصة إسرائيل وإن ما قالوه كذب وانتصب حنيفا على الحال وتقدم تبيين ذلك في البقرة في قوله:
بل ملة إبراهيم حنيفا
[البقرة: 135].
صفحة غير معروفة