و " فزادهم ": أي قلوبهم أو ذواتهم، لأن مرض القلب مرض لسائر الجسد اليم اما للمبالغة ووصف العذاب به مجاز وهو من مجاز التركيب أو معناه مؤلم جآء فعيل من أفعل وهو من مجاز الأفراد وجمع وصف العذاب بالعظم والألم للمنافقين إذ هم أشد عذابا من غيرهم من الكفار وما في بما كانوا مصدرية.
وقال أبو البقاء: الا ظهر أن تكون موصولة. وقرىء: يكذبون مخففا ومشددا مضارع كذب وكذب.
" وإذا قيل ": لغة أهل الحجاز إخلاص الكسر في نحو قيل: وبيع والاشمام لغة كثير من قيس وبني أسد وعقيل وقرىء بهما. والفساد التغير عن حالة الاعتدال والصلاح نقيضه وهذه الجملة الشرطية هي من باب عطف الجمل استئنافا ينعى عليهم قبائح أفعالهم وأقوالهم. قيل: وتحتمل أن تكون معطوفة على يقول صلة من فلا موضع لها من الإعراب وهي جزء كلام لأنها من تمام الصلة (وأجاز الزمخشري وأبو البقاء) أن تكون معطوفة على يكذبون فلها موضع من الإعراب وهو النصب ويكون جزأ من السبب الذي استحقوا به العذاب الأليم وهذا الاعراب خطأ على جعل ما في بما موصولة وقراءة التشديد لغة وجملة الشرط من ضمير يعود على ما والجملة بعد إذ هذه في موضع خفض على مذهب الجمهور والعامل في إذا الجواب، والذي نختاره انها لا موضع لها من الإعراب والفعل الذي يلي إذا هو العامل فيها كسائر حروف الشرط وحذف فاعل القول للعلم به إذ هو الله تعالى ويظهر أن المفعول الذي لم يسم فاعله هو الجملة من قوله: لا تفسدوا في الأرض ولا يجوز ذلك عند جمهور البصريين ويجوز عند الكوفيين فتخريجه على مذهب جمهور البصريين أن يكون في قيل مضمر، أي وإذا قيل هو أي قول سديد فأضمر هذا القول الموصوف وجاءت الجملة بعده مفسرة فلا موضع لها من الإعراب وزعم الزمخشري أن الجملة هي المفعول الذي لم يسم فاعله وجعله من باب الاسناد اللفظي ونظره بقوله: الف حرف من ثلاثة أحرف، وإذا أمكن أن يكون إسنادا معنويا لم يعدل إلى الاسناد اللفظي.
" ولا تفسدوا " نهي عن إيقاع الفساد بأي طريق كان من كفر أو غيره من جهات الفساد وهو من باب النهي عن المسبب، والمراد النهي عن السبب فمتعلق النهي حقيقة هو إيطان الكفر وممالاة الكفار وإفشاء سر المؤمنين وذلك هو المفضي إلى الهيج للفتن المؤدية الى الإفساد وذكر محل الإفساد وهي الأرض التي نشأتم فيها وانتفعتم بها أحياء وأمواتا فما كان محل إصلاحكم لا يناسب أن يجعل محل إفساد ومعمول جواب الشرط أبرزوه جملة إسمية ليدل على ثبوت الوصف لهم وأكدوها بانما دلالة على قوة اتصافهم بقوة الاصلاح كل ذلك بهت وكذب على عاداتهم في الكذب فأكذبهم الله فقال؛
{ ألا إنهم هم المفسدون } فأتى بألا الدالة على التنبيه على كذبهم وبأن المقتضية التأكيد في قولهم: وبهم وبال واستفتحت بألا لتكون الاسماع مصغية لما جاء في حقهم وهم تأكيد للضمير أو فصل أو مبتدأ وتختار في ألا التي للتنبيه انها حرف بسيط، وزعموا انها مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية للدلالة على تحقق ما بعدها، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا كقوله:
أليس ذلك بقادر
[القيامة: 40] ولكونها من المنصب في هذا ألا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرية بنحو ما يتلقى به القسم، وقاله الزمخشري. ودعوى التركيب على خلاف الأصل ولأن ما زعموا خطأ لأن مواقع ألا تدل على أن لا ليست للنفي فيتم ما ادعوه ألا ترى انك تقول إلا أن زيدا منطلق ليس أصله لا أن زيدا منطلق إذ ليس من تراكيب العرب بخلاف ما نظر به من قوله تعالى:
أليس ذلك بقادر
[القيامة: 40]، لصحة تركيب ليس زيد بقادر ولوجودها قبل رب وليت وحرف النداء وغيرها مما لا يتعقل فيه أن لا نافية فتكون الهمزة للاستفهام دخلت على لا النافية فأفادت التحقيق. وقوله: لا تكاد تقع إلى آخره غير صحيح ألا ترى أن الجملة بعدها تستفتح برب وبليت وبفعل الأمر وبالنداء وبحبذا ولا يتلقى بشيء من هذا القسم وعلامة الا هذه التي هي حرف تنبيه واستفتاح صحة الكلام دونها، وكون انما مركبة من ما النافية دخل عليها أن التي للإثبات فأفادت الحصر قول ركيك فاسد صادر عن غير عارف بالنحو، والذي نذهب إليه انها لا تدل على الحصر بالوضع، كما أن الحصر لا يفهم من اخواتها التي كفت بما، فلا فرق بين: لعل زيدا قائم، ولعلما زيد قائم. فكذلك: ان زيدا قائم، وإنما زيد قائم. وإذا فهم الحصر فإنما يفهم من سياق الكلام لا ان إنما دلت عليه وبهذا الذي قررناه يزول الاشكال الذي أوردوه في نحو قوله تعالى:
إنمآ أنت منذر
صفحة غير معروفة