تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

الطباطبائي ت. 1402 هجري
80

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

تصانيف

التفسير

أقول: وقد ورد هذا المعنى في عدة روايات بعضها أبسط من هذه الرواية وأطنب وبعضها أجمل وأوجز.

وهذه الرواية كما ترى سلم ع فيها أن الشجرة كانت شجرة الحنطة وشجرة الحسد وأنهما أكلا من شجرة الحنطة ثمرتها وحسدا وتمنيا منزلة محمد وآله، (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومقتضى المعنى الأول أن الشجرة كانت أخفض شأنا من أن يميل إليها ويشتهيها أهل الجنة ، ومقتضى الثاني أنها كانت أرفع شأنا من أن ينالها آدم وزوجته كما في رواية أخرى أنها كانت شجرة علم محمد وآله.

وبالجملة لهما معنيان مختلفان، لكنك بالرجوع إلى ما مر من أمر الميثاق تعرف أن المعنى واحد وأن آدم (عليه السلام) أراد أن يجمع بين التمتع بالجنة وهو مقام القرب من الله وفيها الميثاق أن لا يتوجه إلى غيره تعالى وبين الشجرة المنهية التي فيها تعب التعلق بالدنيا فلم يتيسر له الجمع بينهما فهبط إلى الأرض ونسي الميثاق فلم يجتمع له الأمران وهو منزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم هداه الله بالاجتباء ونزعه بالتوبة من الدنيا، وألحقه بما كان نسيه من الميثاق فافهم.

وقوله (عليه السلام): فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فيه بيان أن المراد بالحسد تمني منزلتهم دون الحسد الذي هو أحد الأخلاق الرذيلة.

وبالبيان السابق يرتفع التنافي الذي يتراءى بين ما رواه في كمال الدين، عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن الله عز وجل عهد إلى آدم أن لا يقرب الشجرة فلما بلغ الوقت الذي في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها وذلك قول الله عز وجل: ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما، الحديث.

وبين ما رواه العياشي، في تفسيره عن أحدهما: وقد سئل كيف أخذ الله آدم بالنسيان؟ فقال: إنه لم ينس وكيف ينسى وهو يذكر ويقول له إبليس: ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين الحديث.

والوجه فيه واضح.

وفي أمالي الصدوق، عن أبي الصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليهما السلام): أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات فلم يقم أحد حتى ألزم حجته كأنه ألقم حجرا فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: بلى، قال: فما تعمل بقول الله عز وجل: "وعصى آدم ربه فغوى ؟" إلى أن قال: فقال مولانا الرضا (عليه السلام): ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله عز وجل برأيك فإن الله عز وجل يقول: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم". أما قوله عز وجل في آدم: "وعصى آدم ربه فغوى" فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل فلما أهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل: "إن الله اصطفى آدم ونوحا - وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" الحديث.

أقول: قوله: وكانت المعصية في الجنة إلخ إشارة إلى ما قدمناه أن التكليف الديني المولوي لم يكن مجعولا في الجنة بعد، وإنما موطنه الحياة الأرضية المقدرة لآدم (عليه السلام) بعد الهبوط إلى الأرض، فالمعصية إنما كانت معصية لأمر إرشادي غير مولوي فلا وجه لتعسف التأويل في الحديث على ما ارتكبه بعض.

صفحة ٨١