181

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

تصانيف

التفسير

قوله تعالى: قل أتحاجوننا في الله، إنكار لمحاجة أهل الكتاب، المسلمين في الله سبحانه وقد بين وجه الإنكار، وكون محاجتهم لغوا وباطلا، بقوله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون، وبيانه: أن محاجة كل تابعين في متبوعهما ومخاصمتهما فيه إنما تكون لأحد أمور ثلاثة: إما لاختصاص كل من التابعين بمتبوع دون متبوع الآخر، فيريدان بالمحاجة كل تفضيل متبوعه وربه على الآخر، كالمحاجة بين وثني ومسلم، وإما لكون كل واحد منهما أو أحدهما ويريد مزيد الاختصاص به، وإبطال نسبة رفيقه، أو قربه أو ما يشبه ذلك، بعد كون المتبوع واحدا، وإما لكون أحدهما ذا خصائص وخصال لا ينبغي أن ينتسب إلى هذا المتبوع وفعاله ذاك الفعال، وخصاله تلك الخصال لكونه موجبا، لهتكه أو سقوطه أو غير، ذلك فهذه علل المحاجة والمخاصمة بين كل تابعين، والمسلمون وأهل الكتاب إنما يعبدون إلها واحدا، وأعمال كل من الطائفتين لا تزاحم الأخرى شيئا والمسلمون مخلصون في دينهم لله، فلا سبب يمكن أن يتشبث به أهل الكتاب في محاجتهم، ولذلك أنكر عليهم محاجتهم أولا ثم نفى واحدا واحدا من أسبابها الثلاثة، ثانيا.

قوله تعالى: أم تقولون إن إبراهيم إلى قوله كانوا هودا أو نصارى، وهو قول كل من الفريقين، أن إبراهيم ومن ذكر بعده منهم، ولازم ذلك كونهم هودا أو نصارى أو قولهم صريحا أنهم كانوا هودا أو نصارى، كما يفيده ظاهر قوله تعالى "يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون": آل عمران - 65.

قوله تعالى: قل أأنتم أعلم أم الله، فإن الله أخبرنا وأخبركم في الكتاب أن موسى وعيسى وكتابيهما بعد إبراهيم ومن ذكر معه.

قوله تعالى: ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله، أي كتم ما تحمل شهادة أن الله أخبر بكون تشريع اليهودية أو النصرانية بعد إبراهيم ومن ذكر معه، فالشهادة المذكورة في الآية، شهادة تحمل، أو المعنى كتم شهادة الله على كون هؤلاء قبل التوراة والإنجيل، فالشهادة شهادة أداء، المتعين هو المعنى الأول.

قوله تعالى: تلك أمة قد خلت، أي أن الغور في الأشخاص وأنهم ممن كانوا لا ينفع حالكم، ولا يضركم السكوت عن المحاجة والمجادلة فيهم، والواجب عليكم الاشتغال بما تسألون غدا عنه، وتكرار الآية مرتين لكونهم يفرطون في هذه المحاجة التي لا تنفع لحالهم شيئا، وخصوصا مع علمهم بأن إبراهيم كان قبل اليهودية والنصرانية، وإلا فالبحث عن حال الأنبياء، والرسل بما ينفع البحث فيه كمزايا رسالاتهم وفضائل نفوسهم الشريفة مما ندب إليه القرآن حيث يقص قصصهم ويأمر بالتدبر فيها.

بحث روائي

في تفسير العياشي،: في قوله تعالى قل: بل ملة إبراهيم حنيفا الآية، عن الصادق (عليه السلام) قال إن الحنيفية في الإسلام.

وعن الباقر (عليه السلام): ما أبقت الحنيفية شيئا، حتى أن منها قص الشارب وقلم الأظفار والختان.

وفي تفسير القمي،: أنزل الله على إبراهيم الحنيفية، وهي الطهارة، وهي عشرة: خمسة في الرأس وخمسة في البدن، فأما التي في الرأس فأخذ الشارب وإعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال، وما التي في البدن فأخذ الشعر من البدن والختان وقلم الأظفار والغسل من الجنابة، والطهور بالماء وهي الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.

أقول: طم الشعر جزه، وتوفيره وفي معنى الرواية أو ما يقرب منه أحاديث كثيرة جدا روتها الفريقان في كتبهم.

وفي الكافي، وتفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى، قولوا آمنا بالله الآية، قال إنما عنى بها عليا وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمة الحديث.

أقول: ويستفاد ذلك من وقوع الخطاب في ذيل دعوة إبراهيم ومن ذريتنا أمة مسلمة لك الآية ولا ينافي ذلك توجيه الخطاب إلى عامة المسلمين وكونهم مكلفين بذلك، فإن لهذه الخطابات عموما وخصوصا بحسب مراتب معناها على ما مر في الكلام على الإسلام والإيمان ومراتبهما.

وفي تفسير القمي، عن أحدهما، وفي المعاني، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى صبغة الله الآية، قال الصبغة هي الإسلام.

أقول: وهو الظاهر من سياق الآيات.

صفحة ١٨٢