الجزء الأول
(1) -
(1) سورة فاتحة الكتاب مكية وآياتها سبع (7)
توضيح
بسم الله الرحمن الرحيم
مكية عن ابن عباس وقتادة ومدنية عن مجاهد وقيل أنزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة .
أسماؤها
(فاتحة الكتاب) سميت بذلك لافتتاح المصاحف بكتابتها ولوجوب قراءتها في الصلاة فهي فاتحة لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة (الحمد) سميت بذلك لأن فيها ذكر الحمد (أم الكتاب) سميت بذلك لأنها متقدمة على سائر سور القرآن والعرب تسمي كل جامع أمر أو متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه أما فيقولون أم الرأس للجلدة التي تجمع الدماغ وأم القرى لأن الأرض دحيت من تحت مكة فصارت لجميعها أما وقيل لأنها أشرف البلدان فهي متقدمة على سائرها وقيل سميت بذلك لأنها أصل القرآن والأم هي الأصل وإنما صارت أصل القرآن لأن الله تعالى أودعها مجموع ما في السور لأن فيها إثبات الربوبية والعبودية وهذا هو المقصود بالقرآن (السبع) سميت بذلك لأنها سبع آيات لا خلاف في جملتها (المثاني) سميت بذلك لأنها تثنى بقراءتها في كل صلاة فرض ونفل وقيل لأنها نزلت مرتين، هذه أسماؤها المشهورة، وقد ذكر في أسمائها (الوافية) لأنها لا تنتصف في الصلاة و(الكافية) لأنها تكفي عما سواها ولا يكفي ما سواها عنهاو يؤيد ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي ص أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها و(الأساس) لما روي عن ابن عباس أن لكل شيء أساسا وساق الحديث إلى أن قال وأساس القرآن الفاتحة وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم و(الشفاء) لما روي عن النبي ص فاتحة الكتاب شفاء من كل داء و(الصلاة) لما روي عن النبي ص قال قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي فإذا قال العبد @QUR@ «الحمد لله رب العالمين» يقول الله حمدني عبدي فإذا قال «الرحمن
صفحة ٨٧
(1) - الرحيم» يقول الله أثنى علي عبدي فإذا قال العبد «مالك يوم الدين» يقول الله مجدني عبدي فإذا قال «إياك نعبد وإياك نستعين » يقول الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال «اهدنا الصراط المستقيم» إلى آخره قال الله هذا لعبدي ما سأل، أورده مسلم بن الحجاج في الصحيح فهذه عشرة أسماء.
فضلها
ذكر الشيخ أبو الحسين الخبازي المقري في كتابه في القراءة أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم والشيخ عبد الله بن محمد قالا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن يونس اليربوعي قال حدثنا سلام بن سليمان المدائني قال حدثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب قال قال رسول الله أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة وروي من طريق آخر هذا الخبر بعينه إلا أنه قال كأنما قرأ القرآن ، و روي غيره عن أبي بن كعب أنه قال قرأت على رسول الله ص فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها هي أم الكتاب وهي السبع المثاني وهي مقسومة بين الله وبين عبده ولعبده ما سأل ، و في كتاب محمد بن مسعود العياشي بإسناده أن النبي ص قال لجابر بن عبد الله الأنصاري يا جابر ألا أعلمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه قال فقال له جابر بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله علمنيها قال فعلمه الحمد أم الكتاب ثم قال يا جابر ألا أخبرك عنها قال بلى بأبي أنت وأمي فأخبرنيفقال هي شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت،
وعن سلمة بن محرز عن جعفر بن محمد الصادق قال من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شيء
و روي عن أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله ص إن الله تعالى قال لي يا محمد @QUR@ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن ، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش وإن الله خص محمدا وشرفه بها ولم يشرك فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان فإنه أعطاه منها «بسم الله الرحمن الرحيم» ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت إني ألقي إلي كتاب كريم ` إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله منقادا لأمرها. مؤمنا بظاهرها وباطنها. أعطاه الله بكل حرف منها حسنة كل واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارىء فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض له فإنه غنيمة. لا يذهبن أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة
صفحة ٨٨
(1) -
الاستعاذة
اتفقوا على التلفظ بالتعوذ قبل التسميةفيقول ابن كثير وعاصم وأبو عمرو : (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ونافع وابن عامر والكسائي : (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إن الله هو السميع العليم، ) وحمزة : (نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ) وأبو حاتم (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) .
اللغة
الاستعاذة الاستجارة فمعناه أستجير بالله دون غيره والعوذ والعياذ هو اللجأ و[الشيطان]في اللغة هو كل متمرد من الجن والإنس والدواب ولذلك جاء في القرآن شياطين الإنس والجن ووزنه فيعال من شطنت الدار أي بعدت وقيل هو فعلان من شاط يشيط إذا بطل والأول أصح لأنه قد جاء في الشعر شاطن بمعناه قال أمية بن أبي الصلت
أيما شاطن عصاه عكاه # ثم يلقى في السجن والأغلال
والرجيم فعيل بمعنى مفعول من الرجم وهو الرمي .
المعنى
أمر الله بالاستعاذة من الشيطان إذ لا يكاد يخلو من وسوسته الإنسان فقال فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، ومعنى أعوذ ألجأ إلى الله من شر الشيطان أي البعيد من الخير المفارق أخلاقه أخلاق جميع جنسه وقيل المبعد من رحمة الله (الرجيم) أي المطرود من السماء المرمي بالشهب الثاقبة وقيل المرجوم باللغة (إن الله هو السميع) السميع لجميع المسموعات (العليم) بجميع المعلومات.
توضيح
اتفق أصحابنا أنها آية من سورة الحمد ومن كل سورة وإن من تركها في الصلاة بطلت صلاته سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا وأنه يجب الجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة ويستحب الجهر بها فيما يخافت فيه بالقراءة وفي جميع ما ذكرناه خلاف بين فقهاء الأمة ولا خلاف في أنها بعض آية من سورة النمل وكل من عدها آية جعل من قوله صراط الذين إلى آخر السورة آية ومن لم يعدها آية جعل صراط الذين أنعمت عليهم آية وقال إنها افتتاح للتيمن والتبرك وأما القراء فإن حمزة وخلفا ويعقوب واليزيدي تركوا الفصل بين السور بالتسمية والباقون يفصلون بينها بالتسمية إلا بين الأنفال والتوبة .
فضلها
روي عن علي بن موسى الرضا (ع) أنه قال @QUR@ «بسم الله الرحمن الرحيم» أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها
صفحة ٨٩
(1) - النبي ص أنه قال إذا قال المعلم للصبي قل @QUR@ «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال الصبي «بسم الله الرحمن الرحيم» كتب الله براءة للصبي وبراءة لأبويه وبراءة للمعلم
«بسم الله الرحمن الرحيم» فإنها تسعة عشر حرفا ليجعل الله كل حرف منها جنة من واحد منهم و روي عن الصادق (ع) أنه قال ما لهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها وهي @QUR@ «بسم الله الرحمن الرحيم» .
اللغة
الاسم مشتق من السمو وهو الرفعة أصله سمو بالواو لأن جمعه أسماء مثل قنو وأقناء. وحنو وأحناء وتصغيره سمي قال الراجز :
(باسم الذي في كل سورة سمه)
وسمه أيضا ذكره أبو زيد وغيره وقيل إنه مشتق من الوسم والسمةو الأول أصح لأن المحذوف الفاء نحو صلة ووصل وعدة ووعد لا تدخله همزة الوصل ولأنه كان يجب أن يقال في تصغيره وسيم، كما يقال وعيدة ووصيلة في تصغير عدة وصلة والأمر بخلافه (الله) اسم لا يطلق إلا عليه سبحانه وتعالى وذكر سيبويه في أصله قولين (أحدهما) أنه إلاه على وزن فعال فحذفت الفاء التي هي الهمزة وجعلت الألف واللام عوضا لازما عنها بدلالة استجازتهم قطع هذه الهمزة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء في نحو قوله (أفالله لتفعلن ويا الله اغفر لي) ولو كانت غير عوض لم تثبت الهمزة في الوصل كما لم تثبت في غير هذا الاسم والقول الآخر أن أصله لاه ووزنه فعل فالحق به الألف واللام. يدل عليه قول الأعشى :
كحلفة من أبي رباح # يسمعها لاهه الكبار
وإنما أدخلت عليه الألف واللام للتفخيم والتعظيم فقط ومن زعم أنها للتعريف فقد أخطأ لأن أسماء الله تعالى معارف والألف من لاه منقلبة عن ياء فأصله إليه كقولهم في معناه لهي أبوك قال سيبويه نقلت العين إلى موضع اللام وجعلت اللام ساكنة إذ صارت في مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم الذي هو لهي مفتوحا كما تركوا آخر أن مفتوحا وإنما فعلوا ذلك حيث غيروه لكثرته في كلامهم فغيروا إعرابه كما غيروا بناءه وهذه دلالة قاطعة لظهور الياء في لهي والألف على هذا القول منقلبة كما ترى
صفحة ٩٠
(1) - وفي القول الأول زائدة لأنها ألف فعال وتقول العرب أيضا لاه أبوك تريد لله أبوك قال ذو الإصبع العدواني :
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب # عني ولا أنت دياني فتخزوني
أي تسوسني قال سيبويه حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى ولم ينكر بقاء عمل اللام بعد حذفها فقد حكى سيبويه من قولهم الله لأخرجن يريدون والله ومثل ذلك كثير يطول الكلام بذكره فأما الكلام في اشتقاقه فمنهم من قال إنه اسم موضع غير مشتق إذ ليس يجب في كل لفظ أن يكون مشتقا لأنه لو وجب ذلك لتسلسل هذا قول الخليل ومنهم من قال إنه مشتق ثم اختلفوا في اشتقاقه على وجوه: فمنها أنه مشتق من الألوهية التي هي العبادة والتأله التعبد قال رؤبة :
لله در الغانيات المده # سبحان واسترجعن من تألهي
أي تعبدي وقرأ ابن عباس ويذرك وإلهتك أي عبادتك ويقال أله الله فلان إلاهة كما يقال عبده عبادة فعلى هذا يكون معناه الذي يحق له العبادة ولذلك لا يسمى به غيره ويوصف فيما لم يزل بأنه إله (ومنها) أنه مشتق من الوله وهو التحير يقال أله يأله إذا تحير- عن أبي عمرو -فمعناه أنه الذي تتحير العقول في كنه عظمته (ومنها) أنه مشتق من قولهم ألهت إلى فلان أي فزعت إليه لأن الخلق يألهون إليه أي يفزعون إليه في حوائجهم فقيل للمألوه آله كما يقال للمؤتم به إمام (ومنها) أنه مشتق من ألهت إليه أي سكنت إليه عن المبرد ومعناه أن الخلق يسكنون إلى ذكره ومنها أنه من لاه أي احتجب فمعناه أنه المحتجب بالكيفية عن الأوهام، الظاهر بالدلائل والأعلام ، «الرحمن الرحيم» اسمان وضعا للمبالغة، واشتقا من الرحمة، وهي النعمة، إلا أن فعلان أشد مبالغة من فعيل وحكي عن أبي عبيدة أنه قال: الرحمن ذو الرحمة والرحيم هو الراحم وكرر لضرب من التأكيد وأما ما روي عن ابن عباس أنهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر فالرحمن الرقيق والرحيم العطاف على عباده بالرزق والنعم فمحمول على أنه يعود عليهم بالفضل بعد الفضل، والنعمة بعد النعمة، فعبر عن ذلك بالرقة، لأنه لا يوصف بالرقة، وما حكي عن تغلب أن لفظة الرحمن ليست بعربية وإنما هي ببعض اللغات مستدلا بقوله تعالى «قالوا وما الرحمن» إنكارا منهم لهذا الاسم فليس بصحيحلأن هذه اللفظة مشهورة عند العرب
صفحة ٩١
(1) - موجودة في أشعارها قال الشنفري :
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها # ألا قضب الرحمن ربي يمينها
وقال سلامة بن جندل :
(وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق)
.
الإعراب
«بسم الله» الباء حرف جر أصله الإلصاق والحروف الجارة موضوعة لمعنى المفعولية ألا ترى أنها توصل الأفعال إلى الأسماء وتوقعها عليها فإذا قلت مررت بزيد أوقعت الباء المرور على زيد فالجالب للباء فعل محذوف نحو ابدأوا بسم الله أو قولوا بسم الله فحمله نصب لأنه مفعول به وإنما حذف الفعل الناصب لأن دلالة الحال أغنت عن ذكره وقيل إن محل الباء رفع على تقدير مبتدإ محذوف وتقديره ابتدائي بسم الله فالباء على هذا متعلقة بالخبر المحذوف الذي قامت مقامه أي ابتدائي ثابت بسم الله أو ثبت ثم حذف هذا الخبر فأفضى الضمير إلى موضع الباء وهذا بمنزلة قولك زيد في الدار ولا يجوز أن يتعلق الباء بابتدائي المضمر لأنه مصدر وإذا تعلقت به صارت من صلته وبقي المبتدأ بلا خبر وإذا سأل عن تحريك الباء مع أن أصل الحروف البناء وأصل البناء السكون فجوابه أنه حرك للزوم الابتداء به ولا يمكن الابتداء بالساكن وإنما حرك بالكسر ليكون حركته من جنس ما يحدثه وإذا لزم كاف التشبيه في كزيد فجوابه أن الكاف لا يلزم الحرفية وقد تكون اسما في نحو قوله (يضحكن عن كالبرد المنهم) فخولف بينه وبين الحروف التي لا تفارق الحرفية وهذا قول أبي عمرو الجرمي وأصحابه فأما أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي فقال إنهم لو فتحوا أو ضموا لجاز لأن الغرض التوصل إلى الابتداء فبأي حركة توصل إليه جاز وبعض العرب يفتح هذه الباء وهي لغة ضعيفة وإنما حذفت الهمزة من بسم الله في اللفظ لأنها همزة الوصل تسقط في الدرج وحذفت هاهنا في الخط أيضا لكثرة الاستعمال ولوقوعها في موضع معلوم لا يخاف فيه اللبس ولا تحذف في نحو قوله «اقرأ باسم ربك» لقلة الاستعمال وإنما تغلظ لام الله إذا تقدمته الضمة أو الفتحة تفخيما لذكره، وإجلالا لقدره، وليكون فرقا بينه وبين ذكر اللات . «الله» مجرور بالإضافة و «الرحمن الرحيم» مجروران لأنهما صفتان لله.
المعنى
«بسم الله» قيل المراد به تضمين الاستعانة فتقديره استعينوا بأن تسموا الله بأسمائه الحسنى، وتصفوه بصفاته العلي، وقيل المراد استعينوا بالله ويلتفت إليه قول أبي عبيدة أن الاسم صلة والمراد هو الله كقول لبيد :
صفحة ٩٢
(1) -
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما # ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
أي ثم السلام عليكما والاسم قد يوضع موضع المسمى لما كان المعلق على الاسم ذكرا أو خطابا معلقا على المسمى تقول رأيت زيدا فتعلق الرؤية على الاسم وفي الحقيقة تعلقها بالمسمى فإن الاسم لا يرى فحسن إقامة الاسم مقام المسمى وقيل المراد به أبتدأ بتسمية الله فوضع الاسم موضع المصدر كما يقال أكرمته كرامة أي إكراما وأهنته هوانا أي إهانة ومنه قول الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عني # وبعد عطائك المائة الرتاعا
أي بعد إعطائك، وقال الآخر:
فإن كان هذا البخل منك سجية # لقد كنت في طولي رجائك أشعبا
أراد في إطالتي رجائك فعلى هذا يكون تقدير الكلام ابتداء قراءتي بتسمية الله أو أقرأ مبتدئا بتسمية الله وهذا القول أولى بالصواب لأنا إنما أمرنا بأن نفتتح أمورنا بتسمية الله لا بالخبر عن كبريائه وعظمته كما أمرنا بالتسمية على الأكل والشرب والذبائح ألا ترى أن الذابح لو قال بالله ولم يقل باسم الله لكان مخالفا لما أمر به ومعنى الله والإله أنه الذي تحق له العبادة وإنما تحق له العبادة لأنه قادر على خلق الأجسام وإحيائها والإنعام عليها بما يستحق به العبادة وهو تعالى إله للحيوان والجماد لأنه قادر على أن ينعم على كل منهما بما معه يستحق العبادة فأما من قال معنى الإله المستحق للعبادة يلزمه أن لا يكون إلها في الأزل لأنه لم يفعل الإنعام الذي يستحق به العبادة وهذا خطأ وإنما قدم الرحمن على الرحيم لأن الرحمن بمنزلة اسم العلم من حيث لا يوصف به إلا الله فوجب لذلك تقديمه بخلاف الرحيم لأنه يطلق عليه وعلى غيره و روى أبو سعيد الخدري عن النبي ص أن عيسى بن مريم قال الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة
وعن بعض التابعين قال الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين خاصة ووجه عموم الرحمن بجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم هو إنشاؤه إياهم وخلقهم أحياء قادرين ورزقه إياهم ووجه خصوص الرحيم بالمؤمنين هو ما فعله بهم في الدنيا من التوفيق
صفحة ٩٣
(1) - وفي الآخرة من الجنة والإكرام، وغفران الذنوب والآثام، وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن الصادق ع أنه قال الرحمن اسم خاص بصفة عامة والرحيم اسم عام بصفة خاصة وعن عكرمة قال الرحمن برحمة واحدة والرحيم بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول الرسول أن لله عز وجل مائة رحمة وأنه أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقهبها يتعاطفون ويتراحمون وأخر تسعا وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة و روي أن الله قابض هذه إلى تلك فيكملها مائة يرحم بها عباده يوم القيامة.
القراءة
أجمع القراء على ضم الدال من الحمد وكسر اللام من لله وروي في الشواذ بكسر الدال واللام. وبفتح الدال وكسر اللام. وبضم الدال واللام. وأجمعوا على كسر الباء من «رب» . وروي عن زيد بن علي نصب الباء ويحمل على أنه بين جوازه لا إنه قراءة.
اللغة
الحمد والمدح والشكر متقاربة المعنى والفرق بين الحمد والشكر أن الحمد نقيض الذم كما أن المدح نقيض الهجاء. والشكر نقيض الكفران. والحمد قد يكون من غير نعمة والشكر يختص بالنعمة إلا أن الحمد يوضع موضع الشكر ويقال الحمد لله شكرا فينصب شكرا على المصدر ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه فإذا كان الحمد يقع موقع الشكر فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ويكون بالقلب وهو الأصل ويكون أيضا باللسان وإنما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران وأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه ( وأما الرب) فله معان (منها) السيد المطاع كقول لبيد :
وأهلكن قدما رب كندة وابنه # ورب معد بين خبت وعرعر
أي سيد كندة (ومنها) المالك نحو قول النبي لرجل أرب غنم أم رب إبل فقال من كل ما آتاني الله فأكثر وأطيب.
(ومنها) الصاحب نحو قول أبي ذؤيب :
صفحة ٩٤
(1) -
قد ناله رب الكلاب بكفه # بيض رهاب ريشهن مقزع
أي صاحب الكلاب (ومنها) المربب (ومنها) المصلح واشتقاقه من التربية يقال ربيته ورببته بمعنى وفلان يرب صنيعته إذا كان ينممها ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله ويقيد في غيره فيقال رب الدار ورب الضيعة و(العالمون) جمع عالم والعالم جمع لا واحد له من لفظه كالنفر والجيش وغيرهما واشتقاقه من العلامة لأنه يدل على صانعه وقيل أنه من العلم لأنه اسم يقع على ما يعلم وهو في عرف اللغة عبارة عن جماعة من العقلاء لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر وفي المتعارف بين الناس هو عبارة عن جميع المخلوقات وتدل عليه الآية «قال فرعون وما رب العالمين ` قال رب السماوات والأرض وما بينهما» وقيل أنه اسم لكل صنف من الأصناف وأهل كل قرن من كل صنف يسمى عالما ولذلك جمع فقيل عالمون لعالم كل زمان وهذا قول أكثر المفسرين كابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم وقيل العالم نوع ما يعقل وهم الملائكة والجن والإنس وقيل الجن والإنس لقوله تعالى: «ليكون للعالمين نذيرا» وقيل هم الإنس لقوله تعالى: «أتأتون الذكران من العالمين» .
الإعراب
«الحمد» رفع بالابتداء والابتداء عامل معنوي غير ملفوظ به وهو خلو الاسم عن العوامل اللفظية ليسند إليه خبر وخبره في الأصل جملة هي فعل مسند إلى ضمير المبتدأ وتقديره الحمد حق أو استقر لله إلا أنه قد استغنى عن ذكرها لدلالة قوله «لله» عليها فانتقل الضمير منها إليه حيث سد مسدها وتسمى هذه جملة ظرفية هذا قول الأخفش وأبي علي الفارسي وأصل اللام للتحقيق والملك، وأما من نصب الدال فعلى المصدر تقديره أحمد الحمد لله أو اجعل الحمد لله إلا أن الرفع بالحمد أقوى وأمدح لأن معناه الحمد وجب لله أو استقر لله وهذا يقتضي العموم لجميع الخلق وإذا نصب الحمد فكان تقديره أحمد الحمد كان مدحا من المتكلم فقط فلذلك اختير الرفع ومن كسر الدال واللام أتبع حركة الدال حركة اللام ومن ضمهما أتبع حركة اللام حركة الدال وهذا أيسر من الأول لأنه اتبع حركة المبني حركة الإعراب والأول اتبع حركة المعرب حركة البناء واتبع الثاني الأول وهو الأصل في الاتباع والذي كسر أتبع الأول الثاني وهذا ليس بأصل وأكثر النحويين ينكرون ذلك لأن حركة الإعراب غير لازمة فلا يجوز لأجلها الاتباع ولأن الاتباع
صفحة ٩٥
(1) - في الكلمة الواحدة ضعيف نحو الحلم فكيف في الكلمتين وقال أبو الفتح بن جني في كسر الدال وضم اللام هنا دلالة على شدة ارتباط المبتدأ بالخبر لأنه اتبع فيهما ما في أحد الجزءين ما في الجزء الآخر وجعل بمنزلة الكلمة الواحدة نحو قولك أخوك وأبوك وأصل هذه اللام الفتح لأن الحرف الواحد لا حظ له في الإعراب ولكنه يقع مبتدأ في الكلام ولا يبتدأ بساكن فاختير له الفتح لأنه أخف الحركات تقول رأيت زيدا وعمرا قالوا ومن عمرا- مفتوحة-وكذلك الفاء من فعمرا إلا أنهم كسروها لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين لام الملك ولام التوكيد إذا قلت أن المال لهذا أي في ملكه وأن المال لهذا أي هو هو وإذا أدخلوا هذه اللام على مضمر ردوها إلى أصلها وهو الفتح قالوا لك وله لأن اللبس قد ارتفع وذلك لأن ضمير الجر مخالف لضمير الرفع إذا قلت أن هذا لك وأن هذا لأنت إلا أنهم كسروها مع ضمير المتكلم نحو لي لأن هذه الياء لا يكون ما قبلها إلا مكسورا نحو غلامي وفرسي وهذا كله قول سيبويه وجميع النحويين المحققين وليس من الحروف المبتدأ بها مما هو على حرف واحد حرف مكسور إلا الباء وحدها وقد مضى القول فيه وأما لام الجزم في ليفعل فإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام التوكيد نحو ليفعل فاعلم و «رب العالمين» مجرور على الصفة والعامل في الصفة عند أبي الحسن الأخفش كونه صفة فذلك الذي يرفعه وينصبه ويجره وهو عامل معنوي كما أن المبتدأ إنما رفعه الابتداء وهو معنى عمل فيه واستدل على أن الصفة لا يعمل فيه ما يعمل في الموصوف بأنك تجد في الصفات ما يخالف الموصوف في إعرابه نحو أيا زيد العاقل لأن المنادى مبني والعاقل الذي هو صفته معرب ودليل ثان وهو أن في هذه التوابع ما يعرب بإعراب ما يتبعه ولا يصح أن يعمل فيه ما يعمل في موصوفة وذلك نحو أجمع وجمع وجمعاء ولما صح وجوب هذا فيها دل على أن الذي يعمل في الموصوف غير عامل في الصفة لاجتماعهما في أنهما تابعان وقال غيره من النحويين العامل في الموصوف هو العامل في الصفة ومن نصب «رب العالمين» فإنما ينصبه على المدح والثناء كأنه لما قال «الحمد لله» استدل بهذا اللفظ على أنه ذاكر لله فكأنه قال اذكر رب العالمين فعلى هذا لو قرئ في غير القرآن رب العالمين مرفوعا على المدح أيضا لكان جائزا على معنى هو رب العالمين قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم # سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك # والطيبون معاقد الأزر
صفحة ٩٦
(1) - وقد روي النازلون والنازلين والطيبون والطيبين والوجه في ذلك ما ذكرناه و «العالمين» مجرور بالإضافة والياء فيه علامة الجر وحرف الإعراب وعلامة الجمع والنون هنا عوض عن الحركة في الواحد وإنما فتحت فرقا بينها وبين نون التثنية تقول هذا عالمان فتكسر نون الاثنين لالتقاء الساكنين وقيل إنما فتحت نون الجمع وحقها الكسر لثقل الكسرة بعد الواو كما فتحت الفاء من سوف والنون من أين ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو والياء.
المعنى
معنى الآية أن الأوصاف الجميلة والثناء الحسن كلها لله الذي تحق له العبادة لكونه قادرا على أصول النعم وفاعلا لها ولكونه منشئا للخلق ومربيا لهم ومصلحا لشأنهم، وفي الآية دلالة على وجوب الشكر لله على نعمه وفيها تعليم للعباد كيف يحمدونه.
توضيح
قد مضى تفسيرها وإنما أعاد ذكر الرحمن والرحيم للمبالغة وقال علي بن عيسى الرماني في الأول ذكر العبودية فوصل ذلك بشكر النعم التي بها يستحق العبادة وهاهنا ذكر الحمد فوصله بذكر ما به يستحق الحمد من النعم فليس فيه تكرار..
الحجة
اختلفوا في أن أي القراءتين أمدح فمن قرأ «مالك» قال إن هذه الصفة أمدح لأنه لا يكون مالكا للشيء إلا وهو يملكه وقد يكون ملكا للشيء ولا يملكه كما يقال ملك العرب وملك الروم وإن كان لا يملكهم وقد يدخل في المالك ما لا يصح دخوله في الملك يقال فلان مالك الدراهم ولا يقال ملك الدراهم فالوصف بالمالك أعم من الوصف بالملك. والله مالك كل شيء وقد وصف نفسه بأنه «مالك الملك يؤتي الملك من يشاء» فوصفه بالمالك أبلغ في الثناء والمدح من وصفه بالملك ومن قرأ الملك قال أن هذه الصفة أمدح لأنه لا يكون إلا مع التعظيم والاحتواء على الجمع الكثير واختاره أبو بكر محمد بن السري السراج وقال أن الملك الذي يملك الكثير من الأشياء ويشارك غيره من الناس في ملكه بالحكم عليه وكل ملك مالك وليس كل مالك ملكا وإنما قال تعالى «مالك الملك» لأنه تعالى يملك ملوك الدنيا وما ملكوا فمعناه أنه يملك ملك الدنيا فيؤتي الملك فيها من يشاء فأما يوم الدين فليس إلا ملكه وهو ملك الملوك
صفحة ٩٧
(1) - يملكهم كلهم وقد يستعمل هذا في الناس يقال فلان ملك الملوك وأمير الأمراء ويراد بذلك أن من دونه ملوكا وأمراء ولا يقال ملك الملك ولا أمير الإمارة لأن أميرا وملكا صفة غير جارية على فعل فلا معنى لإضافتها إلى المصدر فأما إضافة ملك إلى الزمان فكما يقال ملك عام كذا وملوك الدهر الأول وملك زمانه وسيد زمانه فهو في المدح أبلغ والآية إنما نزلت في الثناء والمدح لله ألا ترى إلى قوله رب العالمين والربوبية والملك متشابهان وقال أبو علي الفارسي يشهد لمن قرأ «مالك» من التنزيل قوله تعالى «والأمر يومئذ لله» لأن قولك الأمر له وهو مالك الأمر بمعنى ألا ترى أن لام الجر معناها الملك والاستحقاق وكذلك قوله تعالى: «يوم لا تملك نفس لنفس شيئا» يقوي ذلك ويشهد لقراءة من قرأ ملك قوله تعالى: «لمن الملك اليوم» لأن اسم الفاعل من الملك الملك فإذا قال الملك له ذات اليوم كان بمنزلة قوله هو ملك ذلك اليوم وهذا مع قوله فتعالى الله الملك الحق و الملك القدوس و ملك الناس .
اللغة
(الملك) القادر الواسع المقدرة الذي له السياسة والتدبير (والمالك) القادر على التصرف في ماله وله أن يتصرف فيه على وجه ليس لأحد منعه منه ويوصف العاجز بأنه مالك من جهة الحكم يقال ملك بين الملك بضم الميم ومالك بين الملك والملك بكسر الميم وفتحها وضم الميم لغة شاذة ويقال طالت مملكتهم الناس ومملكتهم بكسر اللام وفتحها ولي في هذا الوادي ملك وملك وملك ذكرها أبو علي الفارسي وقال الملك للشيء اختصاص من المالك به وخروجه من أن يكون مباحا لغيره ومعنى الإباحة في الشيء كالاتساع فيه وخلاف الحصر والقصر على الشيء ألا تراهم قالوا باح السر وباحت الدار وقال أبو بكر محمد بن السري السراج الملك والملك يرجعان إلى أصل واحد وهو الربط والشد كما قالوا ملكت العجين أي شددته قال الشاعر:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها # يرى قائم من دونها ما وراءها
يقول شددت بهذه الطعنة كفي ومنه الأملاك ومعناه رباط الرجل بالمرأة و(الدين) معناه في الآية الجزاء قال الشاعر
(واعلم بأنك ما تدين تدان)
وهو قول سعيد بن جبير وقتادة وقيل الدين الحساب وهو المروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع
صفحة ٩٨
(1) - وابن عباس والدين الطاعة قال عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غر طوال # عصينا الملك فيها أم ندينا
والدين العادة قال الشاعر:
تقول إذا درأت لها وضيني # أهذا دينه أبدا وديني
والدين القهر والاستعلاء قال الأعشى :
هو دان الرباب إذ كرهوا الدين # دراكا بغزوة واحتيال
ثم دانت بعد الرباب وكانت # كعذاب عقوبة الأقوال
ويدل على أن المراد به الجزاء والحساب قوله تعالى: «اليوم تجزى كل نفس بما كسبت و هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون» .
الإعراب
«مالك» مجرور على الوصف لله تعالى وما جاء من النصب فعلى ما ذكرناه من نصب «رب العالمين» ويجوز أن ينصب «رب العالمين» و «مالك يوم الدين» على النداء كأنك قلت لك الحمد يا رب العالمين ويا مالك يوم الدين ومن قرأ ملك يوم الدين بإسكان اللام فأصله ملك فخفف كما يقال فخذ وفخذ ومن قرأ ملك يوم الدين جعله فعلا ماضيا ويوم مجرور بإضافة ملك أو مالك إليه وكذلك الدين مجرور بإضافة يوم إليه وهذه الإضافة من باب يا سارق الليلة أهل الدار اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به ثم أضيف إليه على هذا الحد كما قال الشاعر أنشده سيبويه :
ويوم شهدناه سليما وعامرا # قليل سوى الطعن النهال نوافله
فكأنه قال هو ملك ذلك اليوم ولا يؤتي أحدا الملك فيه كما آتاه في الدنيا فلا ملك يومئذ غيره ومن قرأ «مالك يوم الدين» فإنه قد حذف المفعول به من الكلام للدلالة عليه وتقديره مالك يوم الدين الأحكام والقضاء لا يملك ذلك ولا يليه سواه[أي لا يكون أحد واليا سواه]إنما خص يوم الدين بذلك لتفرده تعالى بذلك في ذلك اليوم وجميع
صفحة ٩٩
(1) - الخلق يضطرون إلى الإقرار والتسليم وأما الدنيا فليست كذلك فقد يحكم فيها ملوك ورؤساء وليست هذه الإضافة مثل قوله تعالى وعنده علم الساعة لأن الساعة مفعول بها على الحقيقة وليست مفعولا بها على السعة لأن الظرف إذا جعل مفعولا على السعة فمعناه معنى الظرف ولو كانت الساعة ظرفا لكان المعنى يعلم في الساعة وذلك لا يجوز لأنه تعالى يعلم في كل وقت والمعنى أنه يعلم الساعة أي يعرفها.
المعنى
أنه سبحانه لما بين ملكه في الدنيا بقوله «رب العالمين» بين أيضا ملكه في الآخرة بقوله «مالك يوم الدين» وأراد باليوم الوقت وقيل أراد به امتداد الضياء إلى أن يفرغ من القضاء ويستقر أهل كل دار فيها وقال أبو علي الجبائي أراد به يوم الجزاء على الدين وقال محمد بن كعب أراد يوم لا ينفع إلا الدين وإنما خص يوم القيامة بذكر الملك فيه تعظيما لشأنه وتفخيما لأمره كما قال رب العرش وهذه الآية دالة على إثبات المعاد وعلى الترغيب والترهيب لأن المكلف إذا تصور ذلك لا بد أن يرجو ويخاف.
اللغة
العبادة في اللغة هي الذلة يقال طريق معبد أي مذلل بكثرة الوطء قال طرفة :
تباري عتاقا ناجيات وأتبعت # وظيفا وظيفا فوق مور معبد
وبعير معبد إذا كان مطليا بالقطران وسمي العبد عبدا لذلته وانقياده لمولاه والاستعانة طلب المعونة يقال استعنته واستعنت به .
الإعراب
قال أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج موضع «إياك» نصب بوقوع الفعل عليه وموضع الكاف في إياك خفض بإضافة إيا إليها وإيا اسم للضمير المنصوب إلا أنه ظاهر يضاف إلى سائر المضمرات نحو قولك إياك ضربت وإياه ضربت وإياي حدثت ولو قلت إيا زيد حدثت كان قبيحا لأنه خص به المضمر وقد روى الخليل عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب وهذا كلام الزجاج ورد عليه الشيخ أبو علي الفارسي فقال إن إيا ليس بظاهر بل هو مضمر يدل على ذلك تغير ذاته وامتناع ثباته في حال الرفع والجر وليس كذلك الاسم الظاهر ألا ترى أنه يعتقب عليه الحركات في آخره ويحكم له بها في موضعه من غير تغير نفسه فمخالفته للمظهر فيما وصفناه يدل على أنه مضمر ليس
صفحة ١٠٠
(1) - بمظهر قال وحكى السراج عن المبرد عن أبي الحسن الأخفش أنه اسم مفرد مضمر يتغير آخره كما تتغير أواخر المضمرات لاختلاف أعداد المضمرين والكاف في إياك كالتي في ذلك وهي دالة على الخطاب فقط مجردة عن كونها علامة للمضمر فلا محل لها من الإعراب وأقول وهكذا الحكم في إياي وإيانا وإياه وإياها في أنها حروف تلحق إيا فالياء في إياي دليل على التكلم والهاء في إياه تدل على الغيبة لا على نفس الغائب ويجري التأكيد على إيا منصوبا تقول إياك نفسك رأيت وإياه نفسه ضربت وإياهم كلهم عنيت فاعرفه ولا يجيز أبو الحسن إياك وإيا زيد ويستقل روايتهم عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب ويحمله على الشذوذ لأن الغرض في الإضافة التخصيص والمضمر على نهاية التخصيص فلا وجه إذا لإضافته والأصل في نستعين نستعون لأنه من المعونة والعون لكن الواو قلبت ياء لثقل الكسرة عليها فنقلت كسرتها إلى العين قبلها فتصير الياء ساكنة لأن هذا من الإعلال الذي يتبع بعضه بعضا نحو أعان يعين وقام يقوم وفي شرحه كلام وربما يأتي مشروحا فيما بعد إن شاء الله وقوله نعبد ونستعين مرفوع لوقوعه موقعا يصلح للاسم ألا ترى أنك لو قلت أنا عابدك وأنا مستعينك لقام مقامه وهذا المعنى عمل فيه الرفع وأما الإعراب في الفعل المضارع فلمضارعته الاسم لأن الأصل في الفعل البناء وإنما يعرب منه ما شابه الأسماء وهو ما لحقت أوله زيادة من هذه الزيادات الأربع التي هي الهمزة والنون والتاء والياء.
المعنى
قوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين» أدل على الاختصاص من أن نقول نعبدك ونستعينك لأن معناه نعبدك ولا نعبد سواك ونستعينك ولا نستعين غيرك كما إذا قال الرجل إياك أعني فمعناه لا أعني غيرك ويكون أبلغ من أن يقول أعنيك والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه لأنها الخضوع بأعلى مراتب الخضوعمع التعظيم بأعلى مراتب التعظيم ولا يستحق إلا بأصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة ولا يقدر عليه غير الله تعالى فلذلك اختص سبحانه بأن يعبد ولا يستحق بعضنا على بعض العبادة كما يستحق بعضنا على بعض الشكر وتحسن الطاعة لغير الله تعالى ولا تحسن العبادة لغيره وقول من قال أن العبادة هي الطاعة للمعبود يفسد بأن الطاعة موافقة الأمر وقد يكون موافقا لأمره ولا يكون عابدا له ألا ترى أن الابن يوافق أمر الأب ولا يكون عابدا له وكذلك العبد يطيع مولاه ولا يكون عابدا له بطاعته إياه والكفار يعبدون الأصنام ولا يكونون مطيعين لهم إذ لا يتصور من جهتهم الأمر ومعنى قوله «إياك نستعين» إياك نستوفق ونطلب المعونة على عبادتك وعلى أمورنا كلها والتوفيق هو أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إليها في
صفحة ١٠١
(1) - حصول الفعل ولهذا لا يقال فيمن أعان غيره وفقه لأنه لا يقدر أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إليها في حصول الفعل وأما تكرار قوله «إياك» فلأنه لو اقتصر على واحد ربما توهم متوهم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالجمع بينهما ولا يمكنه أن يفصل بينهما وهو إذا تفكر في عظمة الله تعالى كان عبادة وإن لم يستعن بهوقيل أنه جمع بينهما للتأكيد كما يقال الدار بين زيد وبين عمرو ولو اقتصر على واحد فقيل بين زيد وعمرو كان جائزا قال عدي بن زيد :
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به # بين النهار وبين الليل قد فصلا
وقال أعشى همدان :
بين الأشج وبين قيس باذخ # بخ بخ لوالده وللمولود
وهذا القول فيه نظر لأن التكرير إنما يكون تأكيدا إذا لم يكن محمولا على فعل ثان و «إياك» الثاني في الآية محمول على «نستعين» ومفعول له فكيف يكون تأكيدا وقيل أيضا أنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة فإن قيل أن عبادة الله تعالى لا تتأتى بغير إعانة منه فكان يجب أن يقدم الاستعانة على العبادة فالجواب أنه قدم العبادة على الاستعانة لا على الإعانة وقد تأتي بغير استعانة وأيضا فإن أحدهما إذا كان مرتبطا بالآخر لم يختلف التقديم والتأخير كما يقال قضيت حقي فأحسنت إلي وأحسنت إلي فقضيت حقي وقيل أن السؤال للمعونة إنما يقع على عبادة مستأنفة لا على عبادة واقعة منهم وإنما حسن طلب المعونة وإن كان لا بد منها مع التكليف على وجه الانقطاع إليه تعالى كقوله رب احكم بالحق ولأنه ربما لا يكون اللطف في إدامة التكليف ولا في فعل المعونة به إلا بعد تقديم الدعاء من العبد وقد أخطأ من استدل بهذه الآية على أن القدرة مع الفعل من حيث أن القدرة لو كانت متقدمة لما كان لطلب المعونة وجه لأن للرغبة إلى الله تعالى في طلب المعونة وجهين أحدهما أن يسأل الله تعالى من ألطافه وما يقوي دواعيه ويسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل ومتى لطف له بأن يعلمه أن له في فعله الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته والثاني أن يطلب بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها وأن لا يفعل ما يضادها وينفيها عند من قال ببقائها وأما العدول عن الخبر إلى الخطاب في قوله «إياك نعبد» إلى آخر السورة فعلى عادة العرب المشهورة وأشعارهم من ذلك مملوءة قال لبيد :
باتت تشكي إلي النفس مجهشة # وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
صفحة ١٠٢
(1) - وقال أبو كثير الهذلي :
يا لهف نفسي كان جدة خالد # وبياض وجهك للتراب الأعفر
فرجع من الإخبار عن النفس إلى مخاطبتها في البيت الأول ومن الإخبار عن خالد إلى خطابه في البيت الثانيوقال الكسائي تقديره قولوا إياك نعبد أو قل يا محمد هذا كما قال الله تعالى «ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا» وقال «والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ` سلام» أي يقولون سلام.
القراءة
قرأ حمزة بإشمام الصاد الزاي إلا العجلي وبرواية خلاد وابن سعدان يشم هاهنا في الموضعين فقط وقرأ الكسائي من طريق أبي حمدون بإشمام السين ويعقوب من طريق رويس بالسين والباقون بالصاد.
الحجة
الأصل في الصراط السين لأنه مشتق من السرط ومسترط الطعام ممره ومنه قولهم سرطراط والأصل سريط فمن قرأ بالسين راعى الأصل ومن قرأ بالصاد فلما بين الصاد والطاء من المؤاخاة بالاستعلاء والإطباق ولكراهة أن يتسفل بالسين ثم يتصعد بالطاء في السراط وإذا كانوا قد أبدلوا من السين الصاد مع القاف في صقب وصويق ليجعلوها في استعلاء القاف مع بعد القاف من السين وقرب الطاء منها فأن يبدلوا منها الصاد مع الطاء أجدر من حيث كان الصاد إلى الطاء أقرب ألا ترى أنهما جميعا من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وأن الطاء تدغم في الصاد ومن قرأ بإشمام الزاي فللمؤاخاة بين السين والطاء بحرف مجهور من مخرج السين وهو الزاي من غير إبطال الأصل.
اللغة
الهداية في اللغة الإرشاد والدلالة على الشيء يقال لمن يتقدم القوم ويدلهم على الطريق هاد خريت أي دال مرشد قال طرفة :
للفتى عقل يعيش به # حيث تهدي ساقه قدمه
والهداية التوفيق قال:
فلا تعجلن هداك المليك # فإن لكل مقام مقالا
أي وفقك والصراط الطريق الواضح المتسع وسمي بذلك لأنه يسرط المارة أي
صفحة ١٠٣
(1) - يبتلعها والمستقيم المستوي الذي لا اعوجاج فيه قال جرير :
أمير المؤمنين على صراط # إذا أعوج الموارد مستقيم
.
الإعراب
«اهدنا» مبني على الوقف وفاعله الضمير المستكن فيه لله تعالى والهمزة مكسورة لأن ثالث المضارع منه مكسور وموضع النون والألف من اهدنا نصب لأنه مفعول به والصراط منصوب لأنه مفعول ثان.
المعنى
قيل في معنى «اهدنا» وجوه (أحدها) أن معناه ثبتنا على الدين الحق لأن الله تعالى قد هدى الخلق كلهم إلا أن الإنسان قد يزل وترد عليه الخواطر الفاسدة فيحسن أن يسأل الله تعالى أن يثبته على دينه ويديمه عليه ويعطيه زيادات الهدى التي هي إحدى أسباب الثبات على الدين كما قال الله تعالى «والذين اهتدوا زادهم هدى» وهذا كما يقول القائل لغيره وهو يأكل كل أي دم على الأكل (وثانيها) أن الهداية هي الثواب لقوله تعالى: يهديهم ربهم بإيمانهم فصار معناه اهدنا إلى طريق الجنة ثوابا لنا ويؤيده قوله الحمد لله الذي هدانا لهذا (وثالثها) أن المراد دلنا على الدين الحق في مستقبل العمر كما دللتنا عليه في الماضي ويجوز الدعاء بالشيء الذي يكون حاصلا كقوله تعالى:
قال رب احكم بالحق وقوله حكاية عن إبراهيم ع : ولا تخزني يوم يبعثون وذلك أن الدعاء عبادة وفيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى فإن قيل ما معنى المسألة في ذلك وقد فعله الله بجوابه أنه يجوز أن يكون لنا في الدعاء به مصلحة في ديننا وهذا كما تعبدنا بأن نكرر التسبيح والتحميد والإقرار لربنا عز اسمه بالتوحيد وإن كنا معتقدين لجميع ذلك ويجوز أن يكون الله تعالى يعلم أن أشياء كثيرة تكون أصلح لنا إذا سألناه وإذا لم نسأله لا تكون مصلحة فيكون ذلك وجها في حسن المسألةو يجوز أن يكون المراد استمرار التكليف والتعريض للثواب لأن إدامته ليس بواجب بل هو تفضل محض فجاز أن يرغب إليه فيه بالدعاء وقيل في معنى «الصراط المستقيم» وجوه.
(أحدها) أنه كتاب الله وهو المروي عن النبي ص وعن علي ع
وابن مسعود (وثانيها) أنه الإسلام وهو المروي عن جابر وابن عباس (وثالثها) أنه دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره عن محمد بن الحنفية (والرابع) أنه النبي ص والأئمة القائمون مقامه وهو المروي في أخبارنا والأولى حمل الآية على العموم حتى يدخل جميع ذلك فيه لأن الصراط المستقيم هو الدين الذي أمر الله به من التوحيد والعدل وولاية من أوجب الله طاعته.
صفحة ١٠٤
(1) -
القراءة
قرأ حمزة عليهم بضم الهاء وإسكان الميم وكذلك لديهم وإليهم وقرأ يعقوب بضم كل هاء قبلها ياء ساكنة في التثنية والجمع المذكر والمؤنث نحو عليهما وفيهما وعليهم وفيهم وعليهن وفيهن وقرأ الباقون «عليهم» وأخواتها بالكسر وقرئ في الشواذ عليهموا قراءة ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعليهمي قراءة الحسن البصري وعمر بن قايد وعليهم مكسورة الهاء مضمومة الميم بغير واو وعليهم مضمومة الهاء والميم من غير بلوغ واو مرويتان عن الأعرج فهذه سبع قراءات ثم اختلف القراء في الميم فأهل الحجاز وصلوا الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت قالوا عليهموا وعلى قلوبهموا وعلى سمعهموا ومنهموا ولهموا إلا أن نافعا اختلف عنه فيه والباقون بسكون الميم فأما إذا لقي الميم حرف ساكن فإن القراء اختلفوا فأهل الحجاز وعاصم وابن عامر يضمون على كسر الهاء ويضمون الميم نحو عليهم الذلة و من دونهم امرأتين وأبو عمرو يكسر الهاء والميم وحمزة والكسائي يضمان الهاء والميم معا وكل هذا الاختلاف في الهاء التي قبلها كسرة أو ياء ساكنة فإذا جاوزت هذين الأمرين لم يكن في الهاء إلا الضم وقرأ صراط من أنعمت عليهم عمر بن الخطاب وعمرو بن عبد الله الزبيري وروي ذلك عن أهل البيت ع وقرئ أيضا في الشواذ غير المغضوب عليهم بالنصب وقرأ غير الضالين عمر بن الخطاب وروي ذلك عن علي ع .
الحجة
من قرأ عليهم بضم الهاء فإنه رده إلى الأصل لأنه إذا انفرد من حروف يتصل بها قيل هم فعلوا بضم الهاء قال السراج وهي القراءة القديمة ولغة قريش وأهل الحجاز ومن حولهم من فصحاء اليمن وإنما خص حمزة هذه الحروف الثلاثة بالضم لأن الياء قبلها كانت ألفا مثل على القوم ولدى القوم وإلى القوم ولا يجوز كسر الهاء إذا كان قبلها ألف ومن قرأ عليهموا فإنه اتبع الهاء ما أشبهها وهو الياء وترك ما لا يشبه الياء والألف على الأصل وهو الميم ومن قرأ «عليهم» فكسر الهاء وأسكن الميم فلأنه أمن اللبس إذا كانت الألف في التثنية قد دلت على الاثنين ولا ميم في الواحد فلما لزمت الميم الجمع حذفوا الواو وأسكنوا الميم طلبا للتخفيف إذا كان ذلك لا يشكل وإنما كسر الهاء مع أن
صفحة ١٠٥
(1) - الأصل الضم للياء التي قبلها ومن قرأ عليهموا فلأنه الأصل لأن وسيلة هذه الواو في الجمع وسيلة لألف في التثنية أعني أن ثبات الواو كثبات الألف ومن قرأ عليهمي فإنه كسر الهاء لوقوع الياء قبلها ساكنة وكسر الميم كراهة للخروج من كسرة الهاء إلى ضمة الميم ثم انقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ومن كسر الهاء وضم الميم وحذف الواو فإنه احتمل الضمة بعد الكسرة لأنها غير لازمة إذا كانت ألف التثنية تفتحها لكنه حذف الواو تفاديا من ثقلها مع ثقل الضمة ومن قرأ «عليهم» فإنه حذف الواو استخفافا واحتمل الضمة قبلها دليلا عليها وأما من ضم الميم إذا لقيها ساكن وكسر الهاء فإنما يحتج بأن يقول لما احتجت إلى الحركة رددت الحرف إلى أصله فضممت وتركت الهاء على كسرها لأنه لم تأت ضرورة تحوج إلى ردها إلى الأصل ولأن الهاء إنما تبعت الياء لأنها شبهت بها ولم يتبعها الميم لبعدها منه واحتج من كسر الميم والهاء بأن قال أتبعت الكسر الكسر لثقل الضم بعد الكسر قال سيبويه الهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة لأنها خفيفة وهي من حروف الزيادة كما أن الياء من حروف الزيادة وهي من موضع الألف وهي أشبه الحروف بالياء وكما أمالوا الألف في مواضع استخفافا كذلك كسروا هذه الهاء وقلبوا الواو ياء لأنه لا تثبت واو ساكنة وقبلها كسرة كقولك مررت بهي ومررت بدار هي قبل.
الإعراب
«صراط الذين» صفة لقوله «الصراط المستقيم» ويجوز أن يكون بدلا عنه والفصل بين الصفة والبدل أن البدل في تقدير تكرير العامل بدلالة تكرير حرف الجر في قوله تعالى: قال (الملأ) الذين استكبروا (من قومه) للذين استضعفوا لمن آمن منهم وليس كذلك الصفة فكما أعيدت اللام الجارة في الاسم فكذلك العامل الرافع أو الناصب في تقدير التكرير فكأنه قال اهدنا صراط الذين وليس يخرج البدل وإن كان كذلك عن أن يكون فيه تبيين للأول كما أن الصفة كذلك ولهذا لم يجز سيبويه المسكين بي كان الأمر ولا بك المسكين كما أجاز ذلك في الغائب نحو مررت به المسكين والذين موصول وأنعمت عليهم صلة وقد تم بها اسما مفردا يكون في موضع جر بإضافة صراط إليه ولا يقال في موضع الرفع اللذون لأنه اسم غير متمكن وقد حكي اللذون شاذا كما حكي الشياطون في حال الرفع وأما «غير المغضوب عليهم» ففي الجر فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يكون بدلا من الهاء والميم في عليهم كقول الشاعر:
على حالة لو أن في القوم حاتما # على جوده لضن بالماء حاتم
صفحة ١٠٦