فاعرف هذا الكرسي معرفة جيدة، وتدبره وانظر فيه نظرا مكررا، فإني قد كررت لك الوصف فيه لتدبره وتعرفه كيف هو، وقف على ما وصفت لك فيه وتيقنه، فإذا عرفته ووقفت عليه بما وصفت لك سواء؛ فانظر الآن إلى ما ذهبت إليه، وما الذي أريد بذكر هذا الكرسي. اعلم(1) رحمك الله أن هذا الكرسي مثل ضربه الله لعباده، ليستدل به العباد على عظمة الله تبارك وتعالى، وإحاطته بالأشياء واتساعه لها، وهذا الكرسي مثل يحكي(2) الله سبحانه، وليس ثم شيء سوى الله عز وجل، وهذه الإحاطة لجميع الأشياء فإنما هي إحاطة الله عز وجل، وليس ثم كرسي مخلوق، ولا شيء سوى الخالق، أحاط بجميع ما خلق، فليس شيء مما خلق الله عز وجل إلا والله سبحانه محيط به، وليس شيء مما خلق الله بمحيط(3) به، هو أصغر وأحقر من ذلك؛ إذن لكان الشيء المحيط بالله جل الله أوسع من الله وأكبر منه.
وسأذكر لك في هذا أخبارا، وأضرب لك فيه أمثالا؛ حتى تتحقق في قلبك المعرفة بالله عز وجل، وتحذف عن قلبك الشك والإرتياب.
اعلم رحمك الله: أن هذه الفرقة من المشبهة قوم هم عند الله أكذب الكاذبين، وأخسر الخاسرين، ولأقسمت يمينا بالله عز وجل صادقا أن الواحد منهم ممن يرى أنه على شيء ليصلي ويصوم ويتنفل؛ وإن قلبه ليحكي له بعده من الله تبارك وتعالى، وأنه لا يتقرب من الله أبدا، ولا يزداد بكثرة عمله إلا بعدا، وإن قلبه لنافر من الله سبحانه؛ لأن القلوب إنما تقر وتهدأ وتطمئن على تحقيق المعرفة، فإذا عرف اطمأن وهدأ.
ونحن فلا نقول: إنهم جحدوا الله سبحانه، وذلك أن الله فطرهم على معرفته، ولكنا نقول: إنهم جهلوا الله وصغروه، فلهم أصغر صغير وأحقر حقير عند الله عز ذكره.
صفحة ٢٥٩