242

التفسير الكبير

تصانيف

قوله عز وجل: { ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ آتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله }؛ قال ابن عباس:

" نزلت في جميلة بنت عبدالله بن أبي ابن سلول وفي زوجها ثابت بن قيس، كانت تبغضه بغضا شديدا لا تقدر على النظر إليه، وكان يحبها حبا شديدا لا يقدر على أن يصبر عنها؛ وكان بينهما كلام، فأتت أباها فشكت عليه وقالت: إنه يضربني ويسيء إلي! فقال لها: ارجعي إلى زوجك، فأتته الثانية وبها أثر الضرب، فشكت إليه فقال لها: ارجعي إلى زوجك. فلما رأت أنه لا يشكيها ولا ينظر في أمرها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليه وأرته أثر الضرب بها، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا هو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت وقال: " يا ثابت، ما لك ولأهلك؟ " قال: والذي بعثك بالحق نبيا؛ ما على الأرض شيء أحب إلي منها غيرك، لكنها لا تطيعني، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " ما تقولين؟ " فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ما كنت أحدثك اليوم حديثا ينزل عليك خلافه غدا، هو من أكرم الناس لزوجته لا أعيب عليه في دين ولا خلق، ولكني أبغضه لا أنا ولا هو. فقال ثابت: قد أعطيتها حديقة لي، قل لها فلتردها علي وأنا أخلي سبيلها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتردين عليه حديقته وتملكين أمرك؟ " قالت: نعم، وزيادة. فأنزل الله قوله: { ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ آتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله } الآية، فقال صلى الله عليه وسلم : " أما الزيادة فلا " ثم قال لثابت: خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها، ففعل "

وكان ذلك أول خلع في الإسلام).

ومعنى الآية: { ولا يحل لكم أن تأخذوا } شيئا مما أعطيتموهن من مهر ولا غيره، { إلا أن يخافآ }. قال أبو عبيد: (معناه: معلما ومؤقتا حقيقته؛ أي إلا أن يكون الأغلب عليها على ما ظهر منهما من أسباب التباعد الخوف من أن لا { يقيما حدود الله } وهو ما فرض الله تعالى للزوج).

ومن قرأ (يخافا) على فعل ما لم يسم فاعله، كان المعنى إلا أن يخافا عليهما أن لا يقيما حدود الله، وهو ما فرض الله تعالى للزوج على المرأة، والمرأة على الزوج، وقد يذكر الخوف في معنى العلم كما قال أبو محجن الثقفي:

إذا مت فادفني إلى أصل كرمة

تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني

أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

وأما قوله عز وجل: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله }؛ أي علمتم بغالب ظنكم أن لا يكون بينهما صلاح ولا مقام على النكاح. { فلا جناح عليهما فيما افتدت به }؛ أي لا حرج عليهما في الأخذ والإعطاء. ويقال: معناه: لا حرج على الزوج أن يأخذ ما افتدت به المرأة نفسها مما أعطاها الزوج. قال الفراء: (هذا كقوله:

صفحة غير معروفة