قال جالينوس: إن هذا الأمر ليس (526) يكون PageVW0P124A في جميع الحالات لا محالة لكنه يكون في أكثر الحالات، وقد دل (527) على ذلك أبقراط نفسه فيما بعد (528) في فصل قال فيه «من كان بطنه لينا فإنه ما دام شابا (529) أحسن حالا ممن بطنه يابس ثم يصير حاله عند الشيخوخة أردأ (530). وذلك أن بطنه يجف إذا شاخ على الأمر الأكثر (ii. 53)». فينبغي أن لا يفهم قوله «لين البطن ويبسه» مطلقا لكن على أن التدبير تدبير واحد، لأنه (531) إن استعمل مستعمل في شبابه تدبير أهل الإسكندرية فيقدم في صدر طعامه أكل السمك (532) المالح والكراث ثم شرب (533) بعد (534) طعامه قفاعا ثم أمسك في شيخوخته عن هذا كله ومال إلى العدس وما أشبهه وشرب شرابا قابضا، لم يقل إن حال برازه اختلفت بسبب سنه. وكذلك إن استعمل في شبابه التدبير الذي يعقل البطن فأكل العدس والزعرور وشرب الشراب العفص (535) ثم استعمل في شيخوخته تدبير أهل الإسكندرية فاختلف حال برازه بحسب اختلاف تدبيره، لم يكن امتهاننا فيه (536) لما حكم به (537) أبقراط في هذا الباب (538) على الصواب. وإنما يكون امتحاننا لما قاله أبقراط على الصواب إذا كان الغذاء غذاء واحدا وكان جميع تدبيره (539) على مثال واحد فاختلفت (540) حال البراز عند انتقال السن. وإنما تختلف حال البراز بقدر (541) طبيعة الإنسان بحسب اختلاف حالات البدن فيها التي من قبلها يميل البطن (542) إلى اللين أو إلى اليبس. وقد خاص قوم من (543) الأطباء في طلب تلك الحالات أي الحالات هي وإن أنا رمت أن أسوق القول في هذا على سياقة براهين ما يحتاج فيها منه إلى (544) البرهان (545) ظننت أن أبلغ (546) من طوله أن أحتاج أن (547) أضع فيه مقالة بأسرها. وسأفعل ذلك (548) فيما بعد (549). وأما في هذا الموضع فإني PageVW0P124B أتي بجمل من القول بإيجاز واختصار أبينها على ما قد بينته في كتابي في القوى الطبيعية وفي المقالات التي وصفت فيها علل الأعراض. فأقول إن البطن إنما يميل عن الاعتدال PageVW6P032B إلى اليبس إذا قل ما ينفذ إلى الكبد من الغذاء الذي ينهضم في المعدة وإنما يميل عن الاعتدال إلى اليبس إذا قل ما ينفذ إلى الكبد من الغذاء الذي ينهضم في المعدة، وإنما يميل عن الاعتدال إلى اليبس إذا نفذ جميع ما في ذلك الغذاء من الرطوبة إلى الكبد. وقلة نفوذ ما ينفذ من الغذاء من المعدة إلى الكبد ربما كان من قبل أن الإنسان يتناول من الغذاء أكثر مما يحتاج إليه الكبد وربما كان من قبل (550) أن الغذاء يسرع الخروج في البراز. وذلك أن الغذاء إذا كان أكثر، بقيت منه فضلة بعد اجتذاب الكبد منه المقدار الذي يحتاج إليه. وإذا كان الغذاء ينحدر ويخرج سريعا، لم يلحق الكبد فيجذب (551) منه المقدار الذي يحتاج إليه. وسرعة خروج البراز ربما كان من (552) قبل كثرة المرار الذي ينصب إلى الأمعاء فيهيجها إلى دفعة وقذفه، وربما كان من قبل القوة الماسكة في المعدة والأمعاء ضعفت وقويت فيها القوة الدافعة. وإنما يشتهي الإنسان طعاما (553) أكثر (554) إذا كان فم المعدة أبرد، لأن شهوة الطعام إنما هي خاصة هناك. وإنما تجتذب (555) الكبد أقل لبردها. وإنما تضعف القوة الماسكة في المعدة من قبل رطوبتها وإنما تقوى (556) القوة الدافعة التي فيها وفي الأمعاء من قبل يبسها. فمن كان في شبيبته (557) لين البطن ثم كان لين بطنه من قبل أن فم معدته بارد ولذلك (558) شهوته للطعام (559) زائدة وتناوله منه كثيرا فإنه إذا شاخ وبرد بدنه بلغ من تفاقم البرد في فم معدته أن تنتقل حاله إلى ذهاب الشهوة فيصير بذلك إلى أن PageVW0P125A يجف برازه لقلة ما يتناول بقياس ما ينفذ إلى الكبد. وكذلك من كان لين بطنه في شبيبته من قبل كثرة ما ينصب إلى معائه (560) من المرار الأصغر فإنه عند الشيخوخة تنتقل حاله إلى الضد لأنه ليس يتولد في الشيخوخة من هذا الكيموس مقدار كثير كما كان يتولد في وقت الشباب. فأما الذين يأتيهم (561) لين البطن في وقت الشباب من قبل ضعف (562) القوة الماسكة فليس تنتقل الحال في جميعهم إلى الضد في وقت الشيخوخة، وذلك يكون بحسب مقدار ما (563) مع تلك الرطوبة التي تجذب (564) عنها ضعف القوة الماسكة من الحرارة. وذلك أن المعدة إذا كان منذ أول أمرها إلى البرد أميل فإنها في وقت الشيخوخة تصير من البرد إلى الإفراط فتبقى القوة الماسكة التي فيها على مثل ما كانت حالها عليه من الضعف، لأن كل مزاج مفرط يضعف الأفعال ويبطلها (565). وإن كانت المعدة منذ أول أمرها إلى الحر (566) أميل فإن القوة الماسكة التي فيها عند الشيخوخة تقوى وتبقى على قوتها (567) زمانا طويلا، لأن مزاجها ليس يكون (568) بمفرط في واحدة من الحالتين لا في اليبس لأن مزاجها كان في الأصل لا محالة رطبا. ولو لا ذلك لما كانت قوتها الماسكة ضعيفة ولا في الحرارة، لأنا قد كنا وصفنا أنها كانت حارة PageVW6P033A في الأصل. فقد تبين أن جميع من كان بطنه بالطبع إلى اللين أميل إلا اليسير في شبيبته. فإنه إذا (569) شاخ انتقلت (570) حاله إلى الضد ومن كان بطنه بالطبع في شبيبته إلى اليبس أميل، مال إلى اللين (571) في شيخوخته لإضداد (572) الأسباب التي وصفنا. وذلك أن يبس بطنه إنما يكون إما (573) من PageVW0P125B قبل أن ما (574) يتناول من الغذاء أقل من مقدار القوة التي في الكبد وإما من (575) قبل أن ما ينصب من المرار إلى الأمعاء يسير وإما (576) من قبل شدة القوة الماسكة التي في معدته. وقلة الشهوة وسرعة الشبع إنما تكون قبل حرارة موضع (577) الشهوة. وانتشاف (578) رطوبة الغذاء عن آخرها يكون إذا كانت الكبد إما معتدلة المزاج وإما أميل (579) قليلا إلى الحرارة. وأما قلة ما ينصب من المرار إلى الأمعاء فإنما تكون لقلة ما يتولد منه في الكبد، وذلك إنما يكون من قبل برد الكبد. وأما من شدة القوة الماسكة في المعدة فإنما تكون في الشباب إذا كان مزاجهم إلى اليبس أميل. فيجب من قبل ذلك أن تنتقل حال جميع أصحاب هذه (580) الحالات التي وصفنا إلى الضد. وذلك أن من كانت شهوته ناقصة في حداثه لحرارة معدته فإن اليبس إذا تمادت به وبردت معدته بعض البرد كانت شهوته للطعام أزيد فيتناول منه أكثر مما يحتمله الكبد. ومن كانت القوة الماسكة في معدته في شبيبته شديدة من قبل ميل مزاجه بالطبع إلى اليبس فإنه إذا شاخ تضعف منه تلك القوة بإفراط اليبس عليه. ولذلك يلين مراره لأن انحدار الطعام وخروجه يكون أسرع. فأما من كان يبس بطنه في حداثته إنما هو من (581) قبل قلة المرار لأن البراز (582) كان يبطئ فتطول مدة انحداره كان فينشف (583) أكثر ما فيه من الرطوبات (584) فقد يمكن أن تبقى وتلك حاله في وقت شيخةوخته. ويمكن أن يفرط البرد على كبده فتضعف قوتها (585) التي يكون بها نفوذ الغذاء إلى الكبد ضعفا شديدا. فيلين PageVW0P126A بسبب (586) ذلك البراز فهذا ما رأيت أن أقول (587) في هذا الموضع في سبب (588) اختلاف حال (589) البراز عند اختلاف السن إلى (590) اللين أو إلى (591) اليبس وسيغمض لسلوكي فيه طريق الإيجاز على من لم يتقدم فيرتاض في الكتب التي ذكرتها قبل. وسأصف ذلك وأبينه وأشرحه شرحا أبين من هذا فيما بعد في مقالة أفردها (592) له بأسرها. ومن كان (593) شأنه الاقتصار على ما يحتاج إليه في نفس الطب فيكفيه أن يعلم هذا الذي قاله أبقراط فقط من غير أن يوصف (594) له سببه.
21
[aphorism]
PageVW1P131A قال (595) أبقراط: شرب الشراب يشفي (596) الجوع.
[commentary]
صفحة ٤٩٩