تفسير ابن كثير
محقق
سامي بن محمد السلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٠ هجري
تصانيف
التفسير
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ والجنَّة والنَّار وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَتَرْكِ الزَّوَاجِرِ ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ يَعْنُونَ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ-أصحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ﵃، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ يَقُولُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ، يَقُولُونَ: أَنَصِيرُ نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمْ سُفَهَاءُ!!
وَالسُّفَهَاءُ: جَمْعُ سَفِيهٍ، كَمَا أَنَّ الْحُكَمَاءَ جَمْعُ حَكِيمٍ [وَالْحُلَمَاءَ جَمْعُ حَلِيمٍ] (١) وَالسَّفِيهُ: هُوَ الْجَاهِلُ الضَّعِيفُ الرَّأْيِ الْقَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَوَاضِعِ الْمَصَالِحِ وَالْمَضَارِّ؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ سُفَهَاءَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النِّسَاءِ: ٥] قَالَ عَامَّةُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ: هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ.
وَقَدْ تَوَلَّى اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، جَوَابَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَقَالَ (٢) ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾ فَأَكَّدَ وَحَصَرَ السَّفَاهَةَ فِيهِمْ.
﴿وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي: وَمِنْ تَمَامِ جَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِحَالِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهْلِ، وَذَلِكَ أَرْدَى لَهُمْ وَأَبْلَغُ فِي الْعَمَى، وَالْبُعْدِ عَنِ الْهُدَى.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)﴾
يَقُولُ [اللَّهُ] (٣) تَعَالَى: وَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: ﴿آمَنَّا﴾ أَيْ: أَظْهَرُوا لَهُمُ الْإِيمَانَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْمُصَافَاةَ، غُرُورًا مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَنِفَاقًا وَمُصَانَعَةً وَتَقِيَّةً، ولِيَشركوهم فِيمَا أَصَابُوا مِنْ خَيْرٍ وَمَغْنَمٍ، ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ يَعْنِي: وَإِذَا انْصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَخَلَصُوا (٤) إِلَى شَيَاطِينِهِمْ. فَضُمِّنَ ﴿خَلَوْا﴾ معنى انصرفوا؛ لتعديته بإلى، لِيَدُلَّ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضْمَرِ وَالْفِعْلِ الْمَلْفُوظِ (٥) بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: "إِلَى" هُنَا بِمَعْنَى "مَعَ"، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَعَلَيْهِ يَدُورُ كَلَامُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: ﴿خَلَوْا﴾ يَعْنِي: مَضَوْا، وَ﴿شَيَاطِينِهِمْ﴾ يَعْنِي: سَادَتِهِمْ وَكُبَرَاءِهِمْ وَرُؤَسَاءِهِمْ من أحبار اليهود ورؤوس الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ.
قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ يَعْنِي: هُمْ رؤوسهم مِنَ الْكُفْرِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى أَصْحَابِهِمْ، وَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمة أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عن ابن
(١) زيادة من طـ، ب، و.
(٢) في أ: "كما قال".
(٣) زيادة من أ.
(٤) في أ، و: "أو ذهبوا أو خلصوا".
(٥) في طـ، ب، أ، و: "الملفوظ".
1 / 182