تفسير ابن كثير
محقق
سامي بن محمد السلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٠ هجري
تصانيف
التفسير
سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قَالَ: قِرَاءَةً مِنْهُ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ قَرَأَ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطُّورِ: ٣٥]، خِلْتُ أَنَّ فُؤَادِي قَدِ انْصَدَعَ (١) . وَكَانَ جُبَيْرٌ لَمَّا سَمِعَ هَذَا بعدُ مُشْرِكًا عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى بَعْدَ بَدْرٍ، وَنَاهِيكَ بِمَنْ تُؤَثِّرُ قِرَاءَتُهُ فِي الْمُشْرِكِ الْمُصِرِّ عَلَى الْكُفْرِ! وَكَانَ هَذَا سَبَبَ هِدَايَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ أَحْسَنُ الْقِرَاءَةِ مَا كَانَ عَنْ خُشُوعِ الْقَلْبِ، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ أَخْشَاهُمْ لِلَّهِ (٢) .
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " أَيُّ النَّاسِ أَحْسَنُ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: "الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ رَأَيْتَهُ يَخْشَى اللَّهَ" " (٣) .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مُتَّصِلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتوه يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ " (٤) وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ هَذَا، وَهُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَشَيْخَهُ ضَعِيفَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْغَرَضُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا إِنَّمَا هُوَ التَّحْسِينُ بِالصَّوْتِ الْبَاعِثِ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ لِلطَّاعَةِ، فَأَمَّا الْأَصْوَاتُ بِالنَّغَمَاتِ الْمُحْدَثَةِ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْأَوْزَانِ وَالْأَوْضَاعِ الْمُلْهِيَةِ وَالْقَانُونِ الْمُوسِيقَائِيِّ، فَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا وَيُجَلُّ وَيُعَظَّمُ أَنَّ يُسْلَكَ فِي أَدَائِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَمُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، ﵀:
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّة بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الفسق وأهل الكتابيين، وَيَجِيءُ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِي يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ " (٥) .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عُلَيْمٍ قَالَ: " كُنَّا عَلَى سَطْحٍ وَمَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ. قال يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: عَابِسٌ الْغِفَارِيُّ، فَرَأَى النَّاسَ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: يَفِرُّونَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: يَا طَاعُونُ خُذْنِي، فَقَالُوا: تَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ"؟ فَقَالَ: إِنِّي أُبَادِرُ خِصَالًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَخَوَفُّهُنَّ عَلَى أُمَّتِهِ: "بَيْعُ الْحُكْمِ، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَقَوْمٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَفْقَهِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ إِلَّا ليغنيهم
(١) صحيح البخاري برقم (٧٦٥، ٤٨٥٤) وصحيح مسلم برقم (٤٦٣) .
(٢) فضائل القرآن (ص ٨٠) .
(٣) فضائل القرآن (ص ٨٠) .
(٤) سنن ابن ماجة برقم (١٣٣٩) .
(٥) فضائل القرآن (ص ٨٠) وقال الذهبي في ترجمة حصين بن مالك في الميزان (١/ ٥٥٣): "تفرد عنه بقية، ليس بمعتمد، والخبر منكر".
1 / 64