تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
محقق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٢ هـ
مكان النشر
بيروت
تصانيف
باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، والجرأة عليه، ومراتب المفسرين
روي عن عائشة ﵂ أنها قالت: «ما كان رسول الله ﷺ يفسّر من كتاب الله إلّا آيا بعدد علّمه إياهنّ جبريل» .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق ﵁: ومعنى هذا الحديث: في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله، ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور، وكرتبة خلق السماوات والأرض.
ويروى أن رسول الله ﷺ قال: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق ﵁: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه، دون نظر فيما قال العلماء، أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو، والأصول، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه. وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وغيرهما، يعظمون تفسير القرآن، ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم، مع إدراكهم، وتقدمهم، وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا على المسلمين في ذلك ﵃.
فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب ﵁، ويتلوه عبد الله بن العباس ﵄، وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه، وتبعه العلماء عليه، كمجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب ﵁.
وقال ابن عباس: «ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب» .
وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه.
وكان عبد الله بن مسعود يقول: «نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس»، وهو الذي يقول فيه رسول الله ﷺ: «اللهم فقهه في الدين» وحسبك بهذه الدعوة.
وقال عنه علي بن أبي طالب: «ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق»، ويتلوه عبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم.
1 / 41