تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي
محقق
عبيد بن علي العبيد
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد ١١٢-السنة ٣٣
سنة النشر
١٤٢١هـ
تصانيف
عبده إذا مد يده إليه أن يردها صفرًا" ١.
وهذا من رحمته، وكرمه، وكماله، وحلمه أن العبد يجاهر بالمعاصي مع فقره الشديد إليه، حتى أنه لا يمكنه أن يعصى إلا أن يتقوى عليها بنعم ربه، والرب مع كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحي من هتكه، وفضيحته، وإحلال العقوبة به، فيستره بما يفيض له من أسباب الستر، ويعفو عنه، ويغفر له، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم بعدد اللحظات، وشرهم إليه صاعد.
ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي، وكل قبيح، ويستحي تعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه، وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفرًا، ويدعو عباده إلى دعائه، ويعدهم بالإجابة.
وهو الحيي الستير: يحب أهل الحياء، والستر، ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا، والآخرة، ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصيًا، والله يستره فيصبح يكشف ستر الله عليه٢.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي
_________
١ أخرجه أبو داود (٢/ ١٦٥) كتاب الصلاة باب الدعاء، والترمذي (٥/ ٥٥٧) كتاب الدعوات، وابن ماجه (٢/ ١٢٧١) كتاب الدعاء باب رفع اليدين في الدعاء من حديث سلمان الفارسي، وصححه الألباني. انظر: صحيح الترمذي (٣/ ١٧٩ ح ٣٨٠٩).
٢ هذا بمعنى ما أخرجه مسلم في صحيحه (٤/ ٢٢٩١) كتاب الزهد باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، ولفظه عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كل أمتي معافاة إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملًا ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".
1 / 193