تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي
محقق
عبيد بن علي العبيد
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد ١١٢-السنة ٣٣
سنة النشر
١٤٢١هـ
تصانيف
الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال ومنَّ عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء.
فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ ١.
فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصًا، فإن معطيه - وهو الله - أحق به من المعطي بما لا نسبة بينه وبينهم كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته، وصفاتهم إلى صفاته، فالذي أعطاهم السمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحق منهم بذلك.
وكيف يعبر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به: "لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"٢.
وقال ﷺ: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أنتهى إليه بصره من خلقه" ٣. فسبحان الله، وتقدّس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علوًا كبيرًا، وحسبهم مقتًا وخسارًا أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته والإبتهاج بمحبته.
وجمع المؤلف٤ بين (الجليل والجميل) لأن تمام التعبد لله هو التعبد بهذين الاسمين الكريمين فالتعبد بالجليل يقتضي تعظيمه، وخوفه، وهيبته، وإجلاله.
والتعبد باسمه الجميل يقتضي محبته، والتأله له، وأن يبذل العبد له خالص
_________
١ النحل (٦٠).
٢ أخرجه مسلم (١/ ٣٥٢) كتاب الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
٣ أخرجه مسلم (١/ ١٦١) كتاب الصلاة باب في قوله ﵇: "إن الله لاينام" وفي قوله: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ماانتهى إليه بصره من خلقه".
٤ أي ابن القيم رحمه الله تعالى في قصيدته النونية.
1 / 180