تفسير العثيمين: ص
الناشر
دار الثريا للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
قال الله تعالى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ العجب يكون له سببان: السبب الأول: الإنكار، والسبب الثاني: الاستحسان، يعني يقال: عجب من كذا، أي: استحسنه، وعجب من كذا، أي: أنكره، فهو شبيه بأفعال الأضداد، لأن في اللغة العربية كلماتٍ تدل على المعنى وضده، تسمى عند علماء العربية: الأضداد في اللغة.
فالعجب تارة يكون استحسانًا، وتارة يكون استنكارًا، فقول عائشة ﵂: كان النبيّ ﷺ يعجبه التيامن في تنعله وترجله (^١). المراد بالإعجاب هنا الاستحسان، وفي قوله تعالى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ﴾ هذا عجب استنكار وردٍّ، وليس عجب رضًا واستحسان، وهذا نظير قوله تعالى في سورة قَ: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [ق: ٢].
قوله: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ أنْ مصدرية على تقدير مِنْ، أي عجبوا مِنْ أن جاءهم، وقلنا: إنها مصدرية؛ لأن ما بعدها يُحوَّل إلى مصدر، أي عجبوا من مجيء المنذر منهم، وقوله: ﴿مُنْذِرٌ﴾ المنذر: هو المخبر بالخبر للتخويف، ولهذا نقول: إن الإنذار خبر مقرون بتخويف، والنبي ﷺ كان منذرًا، وكان مبشرًا، ولكن الكفار يليق بحالهم الإنذار، قال تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ [الكهف: ٢] والتبشير يكون للمؤمنين. وهنا قال: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ لأن هذا هو اللائق
_________
(^١) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل (١٦٨)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره (٢٦٨).
1 / 23