80

تفسير العثيمين: فصلت

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٧ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وقَولُه تَعالَى: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المُشارُ إلَيْه ما سَبَق مِن قَولِه: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ﴾ إلى آخره؛ قَولُه: ﴿تَقْدِيرُ﴾ أيْ مُقدَّرٌ ﴿الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، أو ﴿تَقْدِيرُ﴾ مَصدَرٌ على بابِه، وَيكونُ المُشارُ إلَيْه فِعْلُ اللهِ لهَذا الشَّيْءِ، فعِندَنا الآن كَلِمةُ ﴿تَقْدِيرُ﴾ مَصْدَرٌ، يَجُوزُ أنْ تَكونَ بمَعنَى اسْمِ المَفعُولِ، ويَكونُ المَعنَى: ذلِك مُقدَّرُ العَزِيزِ، ويجوزُ أنْ تَكونَ مَصْدرًا وهُو فِعْلُ اللهِ ﷿ ويَكونُ هَذا أيْضًّا مَعنًى صَحيحًا وكِلاهما مُتلازِمان؛ لِأنَّه إذا كان هَذا الشَّيْءَ مُقدَّرُ اللهِ فَهُو مِن تَقدِيرِه يَعنِي ناتِجٌ عَن تَقدِيرِه. فقَولُه: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ أي: الَّذي قَدَّره ﴿الْعَزِيزِ﴾ ﷿ ﴿الْعَلِيمِ﴾، و﴿الْعَزِيزِ﴾ هُنا مُناسَبَتُها، أنَّ المَسْأَلةَ تَحتاجُ إلَى عِزَّةٍ وقُوَّةٍ. والعِزَّةُ؛ يَقولُ المُفسِّرُ ﵀: [﴿الْعَزِيزِ﴾ في مُلْكه] يَعنِي الَّذي لَه العِزَّةُ التَّامَّةُ في مُلْكه، وفِيه شَيْء مِن القُصُورِ، فلَم يُبيِّن لنا ما هِي العِزَّةُ، والعِزَّةُ قال العُلَماءُ ﵏: إنَّها تَنْقسِمُ إلَى ثَلاثَةٍ أقْسامٍ: عِزَّةُ القَدْرِ، وعِزَّةُ القَهْرِ، وعِزَّة الِامْتِناعِ؛ ثَلاثَة مَعانٍ. ١ - أمَّا عِزَّةُ القَدْرِ فمَعناها الشَّرفُ، يَعنِي: أَنَّه ذُو قَدْرٍ عَظيمٍ بالِغِ العِظَمِ. ٢ - وعِزّةُ القَهْرِ يَعنِي: أَنَّه قاهِرٌ ولا يُغلَبُ. ٣ - وعِزَّةُ الِامْتِناعِ؛ أيْ يَمتَنِعَ أنْ ينالَه سُوءٌ جَلَّ وَعَلَا بأيّ حالٍ مِن الأحْوالِ. ولِمُلاحَظةِ هَذا المَعنَى الثَّالِثِ نَقولُ: إنَّه مُشتَقٌّ مِن قَولِه: أرْضٌ عَزازٌ، عَزازٌ يَعنِي: قَوِيَّةٌ صُلْبَةٌ، ونَحْن نُسمِّيها باللُّغَةِ العامِّيَّةِ: "الأرْض عزا"، يَعنِي: صُلْبَةٌ لَيْسَت لَيِّنةً كالرَّمْلِ والرَّوْضِ، ولكِنَّها صُلْبةٌ. أمَّا ﴿الْعَلِيمِ﴾ فهِي صِفَةٌ مُشَبَّهةٌ، ويجوزُ أنْ تَكونَ مِن بابِ المُبالَغةِ؛ لِأنَّ فَعِيلٌ

1 / 84