تفسير العثيمين: فصلت
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨] كُلَّما رَأيتَ أَنَّه أُلْقِيَ في رُوعِك أن تَفعَلَ مَعصيَةً فاعلَمْ أنَّه نَزْغٌ مِنَ الشَّيطانِ، وكُلَّما أُلقِيَ في رُوعِك أنَّك تَتَرُكُ طاعَةً فهذا نَزْغٌ مِنَ الشَّيطانِ استَعِذْ باللهِ؛ لأنَّ الشَّيطانَ ليس شَيئًا محَسوسًا يَحُسُّه الإنسانُ ويَسمَعُه لكنْ يُعرَفُ بما يُلقي في القَلبِ فاستَعِذْ باللهِ أي: اعتصِمْ به.
يَقولُ المُفسِّرُ ﵀: [جَوابُ الشَّرطِ وجَوابُ الأمرِ محَذوفٌ، أي: يَدفَعُه عنك]، الأمرُ (استَعِذْ) يَعني: كأنَّ قائلًا يَقولُ: وإذا استَعَذْت فالنَّتيجَةُ أن يَدفَعَه اللهُ عَنك؛ لأنَّ اللهَ تَعالى لم يَأمُرْك بِالاستِعاذَةِ به، والاستِعاذَةُ كما هو مَعروفٌ هي الاستِجارَةُ ممَّا يَسوءُ استَعِذ باللهِ يَدفَعْه عنك.
قَولُه: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ جَوابُ الشَّرطِ اقْتَرَنَ بالفاءِ؛ لأنَّ الجُملَةَ طَلَبيَّةٌ، والقاعِدَةُ ذَكَرَها ابنُ مالكٍ (^١):
واقْرِنْ بفا حَتمًا جَوابًا لو جُعِل ... شَرطًا لـ (إن) أوغَيرها لم يَنْجَعِلْ
يعني: إذا لم يَصِحَّ مُباشرةً جَوابُ الشَّرطِ لأَداةِ الشَّرطِ فإنَّه يَجِبُ اقتِرانُه بالفاءِ.
فإِنْ قال قائلٌ: ما مَعنى قَولِه: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢].
فالجَوابُ: السُّلطانُ هو الَّذي يَتولَّى الأمرَ بسُلطَتِه ويَغلِبُ، فالشَّيطانُ يَنْزغُ حتَّى عِبادَ اللهِ الصَّالحينَ، ولكن ليس له عَليهم سُلطانٌ، أليس قَد تَفَلَّت على الرَّسولِ ﵊ شَيطانٌ يُريدُ أن يُفسِدَ عليه صَلاتَه؟ لكن ما له سُلطانٌ، فالسُّلطانُ يَقولُ ويَفعلُ، كما قال ابنُ الوَردي في المَنظومَةِ (^٢):
جانِبِ السُّلطانَ واحذَرْ بَطشَه ... لا تُخاصِمْ مَن إذا قال فَعلَ
(^١) الألفية (ص: ٥٨).
(^٢) شرح لامية ابن الوردي (ص: ١٥٧).
1 / 192