تفسير العثيمين: فصلت
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وكذلك الإِساءَةُ بالعَفوِ، إذا أَساءَ إليكَ إِنسانٌ فاعفُ عنه، وقد سَبَقَ مِرارًا ونُكرِّرُه تِكرارًا: أنَّ العَفوَ إنَّما يَندُبُ إليه إذا كان فيه إِصلاحٌ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠].
فإِنْ قال قائلٌ: الَّذي لا يَقدِرُ على رَدِّ السَّيِّئةِ بمِثلِها هل يَدخُلُ في قَولِه: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾؟
فالجَوابُ: لا، هذا ضَعفٌ وجُبنٌ، الَّذي لا يَقدِرُ على الِانتِصارِ لنَفْسِه هذا لا يُحمَدُ، بل يُقالُ: هذا ضَعيفٌ، ولأنَّه لا يُحمَدُ إلَّا العَفوُ عندَ المَقدِرَةِ، والصَّفحُ عندَ المَقدِرَةِ. أمَّا إنسانٌ عاجِزٌ فيَجيءُ شَخصٌ ضعيفٌ يَضرِبُه يَضرِبُه يَضرِبُه وهو يَقولُ: جَزاكَ اللهُ خَيرًا، عَفا اللهُ عنك، فهذا لا يُحمَدُ؛ لأنَّه عاجِزٌ.
قال اللهُ تعالى: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فُصِّلَت: ٣٤] فإذا فُجائيَّةٌ والفاءُ عاقبَةٌ؛ أي: فإذا دَفعتَ بالَّتي هي أَحسَنُ فاجَأتك هذه الحالُ، وهي أن تَنْقَلِبَ عَداوةُ الشَّخصِ الَّذي أَساءَ إليك، فيَصيرُ كأنَّه وَليٌّ حَميمٌ، يعني: صَديقًا قَريبًا.
وتَأَمَّلْ كَونَ الجَوابِ بـ"إذا" الفُجائيَّةِ لِيتَبَيَّنَ لك أنَّ انقِلابَ عَداوتِهِ إلى وِلايَةٍ حَميمَةٍ لا يَتأخَّرُ كَثيرًا؛ لأنَّ إذا الفُجائيَّةَ تَدُلُّ على الفَورِيَّةِ: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ لو كان المُخبِرُ بذلك غَيرَ اللهِ ﷿ لكان الإنسانُ يَتردَّدُ، وكيف يَنقلِبُ العَدوُّ صَديقًا حَميمًا بهذه السُّرعَةِ، نَقولُ: إنَّ الَّذي أخبَرَ بذلك هو اللهُ ﷿: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢].
ثُمَّ إنَّ الَّذي أخبَرَ بذلك هو الَّذي قُلوبُ بَني آدمَ بين أُصبُعينِ من أَصابعِهِ
1 / 188