تفسير العثيمين: فصلت
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
يَقولُ المُفسِّرُ ﵀: [﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ بالتَّوحيدِ]. وهذا لا شَكَّ حَسَنٌ، لكنَّ الآيَةَ أشمَلُ مِنَ التَّوحيدِ، ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ بالتَّوحيدِ والعَمَلِ الصَّالحِ، وغَيرِ ذلك مِمَّا يُجعلُ إلى اللهِ، وقولُه: ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ يَعني: إلى دينِ اللهِ، ودينُ اللهِ يَتضمَّنُ التَّوحيدَ والأعمالَ الصَّالحةَ.
ثانيًا: قال: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ فبَدَأَ بإصلاحِ الغَيرِ ثُمَّ ثَنَّى بإصلاحِ النَّفْسِ مع أنَّ مَن دعا إلى اللهِ فهو مُصلِحٌ أيضًا.
قَولُه تعالى: ﴿صَالِحًا﴾ صِفةٌ لمَوصوفٍ محَذوفٍ، التَّقديرُ: وعَمِلَ عملًا صالِحًا، ولا يَكونُ العَمَلُ صالِحًا إلا بشَرْطينِ هما: الإخْلاصُ للهِ، والمُتابَعةُ لرَسولِ اللهِ ﷺ.
فعَمَلُ المُرائي فَقَدَ الإخلاصَ، وعَمَلُ المُبتَدِعِ فَقَدَ المُتابعةَ، وحينَئِذٍ نَقولُ لهؤلاء المُبتَدِعينَ الَّذين عِندَهم منَ الإخلاصِ للهِ ما عِندَهم: إنَّ عَمَلَكم حابِطٌ، قال النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم-: "مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أَمرُنا فهو رَدٌّ" (^١).
ثُمَّ نَقولُ: حَقيقَةُ الإخلاصِ تَستلزِمُ ألَّا تَعبُدَ اللهَ إلَّا بما شَرَعَ لا تَعبُدُه بهَواكَ؛ لأنَّك إذا عَبدتَ اللهَ بهَواكَ بالبِدعَةِ فأنت غَيرُ مخُلِصٍ، المُخلِصُ لا بدَّ أن يَعبُدَ اللهَ ﷾ بما شَرَعَ، فصار العَمَلُ الصَّالحُ ما تَركَّبَ من شَيئينِ: الأَوَّلُ: الإخلاصُ، والثَّاني: المُتابَعةُ لرَسولِ اللهِ ﷺ.
فإِنْ قال قائلٌ: كيف نَجمَعُ بين هذا وبينَ حَديثِ الرَّسولِ ﷺ: "أنَّه يَخرُجُ مِنَ النَّارِ أُناسٌ لم يَعمَلوا خَيرًا قط" (^٢)؟
(^١) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨)، من حديث عائشة ﵁.
(^٢) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم (١٨٣)، من حديث أبي سعيد الخدري ﵁.
1 / 178