تفسير العثيمين: القصص

محمد بن صالح العثيمين ت. 1421 هجري
80

تفسير العثيمين: القصص

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

ومِثل قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦]، فـ (أنْ) هنا مُخَفَّفَة مِن الثقيلة، يعني: وأنهم لو استقاموا. قوله تعالى: ﴿أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ﴾ أي: أراد موسى، والبطشُ: الأخذ بِقُوَّة. قوله تعالى: ﴿بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾ لموسى والمستغيث به، قال المستغيث ظانًّا أنه يَبْطِشَ بِهِ لمَّا قَالَ لَهُ: ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾. والظَّاهر هُنَا أَنَّ مُوسَى قد تهيَّأ، وَأَرَادَ أَنْ يَفْعَل، فشاهد المستغيثُ ذلك، وإلا فكيف عَرَفَ أَنَّ مُوسَى أراد، والإرادة محلُّها القلب؟ قول المُفَسِّر ﵀: [قَالَ المُسْتَغِيثُ] يعني: الْفَاعِل فِي [قَالَ المُسْتَغِيثُ]، وهذا يُبعده أمران: أمرٌ لفظي، وأمرٌ معنوي: أما الأمر اللفظي: فإنَّ ﴿قَالَ﴾ ضميرهُا يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو القبطي. والأمر المعنوي: أنَّهُ قَالَ: ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي﴾، وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾، فنحن نفسر الإرادة الثَّانية بالإرادة الأُولى؛ لأن القبطي هُوَ الَّذِي قَالَ: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾. والقبطي قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ للإسرائيلي: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾، فقد اشتهرت قصة الْقَتْلِ فِي المَدينَةِ وظهرت، وصار النَّاس يتحدثون عنها، فعرف القبطي أن الإسرائيلي عَدُوٌّ لَهُ، وَهُوَ مَا لَامَه مُوسَى عليه قائلًا: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾، فاستنتج مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي قتلَ القبطي بالأمس هو موسى، فقال: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الراجح مِن قَوْلَي المُفَسِّرين. والمُفَسِّرون لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

1 / 84