تفسير العثيمين: القصص
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الوحيُ هُنَا مِنَ النوعين الثَّانِي وَالثَّالِثِ، أي الوحي بالإلهام، أو الوحي بالمنام.
وقوله تعالى: ﴿إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [القصص: ٧] يعني: التي ولَدَتْه، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأُمِّ، كما قَالَ تعالى: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢].
وَأَمَّا الْأُمُّ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فلا تُذْكَرُ مُطلقة، وإنَّما تُذْكَرُ مُقَيَّدَةً، وَكَذَا قَالَ تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، ثُمَّ قَالَ تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، فالأُم مِنَ الرَّضَاعَةِ لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الأُم، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقيَّدةً.
وإنَّما قررتُ هذا؛ لِيَتبَيَّن أن قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، المُرَادُ بِهَا الْأُمُّ الَّتِي وَلدت، وليس الْأُمَّ الَّتِي تُرْضِع.
قَالَ المُفَسِّرُ ﵀: [قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾، وهو المولود المذكور، ولم يَشْعُر بولادته غيرُ أُخْتِه].
ونحن هنا نسأل: أين المولودُ المذكور؟ المولودُ المَذْكُورُ هُوَ موسى؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أُمٍّ إلَّا ولها ولدٌ، فقوله: [ولم يَشْعُر بولادته غيرُ أُخْتِه]. هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ الإسرائيلية الَّتِي لَا تُصَدَّقُ، ولا تُكَذَّب، فَنَحْنُ لَا نَملِك دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ إِلَّا أُمُّه.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾: ﴿أَنْ﴾ هَذِهِ تَفْسِيرِيَّة، وضابِط التَفْسِيِريَّة: الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ مَا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُروفِه، فكل (أَنْ) إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ مَا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُروفه، فهي تَفْسِيِرِيَّة. كَمَا فِي قَوْلِهِ ﵎: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧].
1 / 26