تفسير العثيمين: القصص
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: ١٤٥]، إذن قول المُفَسِّر ﵀: [أَنْ خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ] بمعنى أتي بها، وإلَّا فاللَّه يقول: ﴿فَخُذْهَا﴾ أي: الألواح التي فيها التَّوراة ﴿بِقُوَّةٍ﴾، يقول: إذن، أمر موسى أن يأخذ الألواح بِقُوَّة.
قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ﴾ أرسلناك ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾، اعتدنا أَنَّ قَولَه تعالى: ﴿رَحْمَةً﴾ مفعولُ لِأَجْلِه عامِلُها محذوفٌ، والتقدير: أرسلناك رحمةً، وقوله تعالى: ﴿رَحْمَةً﴾ ليس المعنى أنَّه هو الرَّحْمة، ولكن المعنى: أنه أرسل بالرَّحْمة ليَرحَمَ اللَّه به، فالرَّحْمة مِنَ اللَّه ﷾، وأرسله اللَّه رحمةً، كَمَا قَالَ تعالى في آيَة أخرَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، وليس المعنى: وما أرسلناك إلا حالَ كونِك رحمة، ولكن: إلَّا مِن أَجْلِ الرَّحْمة، فبينَ المعنيين فرقٌ.
قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ أضاف الرُّبوبية إلى الرَّسول ﷺ عَلَى سَبيل التَّخصيص والتشهير، وهذه هي الرَّحْمة الخاصة، وهناك رحمة عامَّة، وفيها دليل، أي في قَوْلِهِ: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾، عَلَى أَنَّ إرسال النَّبيّ ﷺ إلى الخَلق؛ ليرحموا به أَنَّه مِن الرُّبوبية الخاصة؛ لأنَّ مِن نعمَةِ اللَّه عَلَى العَبد أن يُلْهِمَه الهدى ليَهْدِيَ النَّاسَ به؛ فإنَّ هَذَا في الحَقيقَة مِن أبر النعم، فالنَّبيّ ﵊ أُوحِيَ إليه ليرحَم الخَلق بما أُوحِيَ إلَيه، وهذا مِن مقتضى الرُّبوبية الخاصة، وَلهَذَا قَالَ: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ وَلَم يَقُل: مِن رَبّهم، فمعنى ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: الذي ربَّاك تربية خاصة.
قوله تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ اللام هنا حَرفُ جَرٍّ؛ لأنَّها داخلةٌ على (أَنْ) المقَدَّرَة، أي: لأَن تُنْذِرَ، ثم تحوَّل إلى مَصدر، فيكون لإنذارك ﴿قَوْمًا﴾، فعلى مذهب البصريين تكون اللام حَرف جَرٍّ، وتُنْذِر: فعلٌ مُضارع منصوب بـ (أَنْ) مُضْمَرَة جَوازًا بعد اللام.
1 / 219