209

تفسير العثيمين: القصص

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

لأَنَّه لَو كَانَ قضاءً كونيًّا لَلَزِمَ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعبدون اللَّهَ، وليس الأمر كذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا﴾ لَا يمكن إلا في أمرٍ وقَعَ، فمثلًا لَو قُلنَا: قضَى اللَّه تعالى لأَبي بَكر أن يُسْلِمَ، فهذا قضاءٌ قَدَرِيٌّ شرعي؛ لأنَّه أمره بالإِيمَان، فآمَن، ونقول: قضى اللَّه لأبي لَهَبٍ أن يكفُرَ. هَذَا قَضَاءٌ كوني.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ قَالَ المُفَسِّرُ ﵀: [لِذَلِكَ فَتَعْلَمُهُ فَتُخْبِرَ بِهِ].
قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾، وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ ليس فيها تكرار؛ لأن مَن كَانَ في الجانب قد يرى، وَقَد لَا يرى، وَلهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
فإذا قَالَ قَائل: لماذا لم يقتصر عَلَى قَوله: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾؟
قلنا: لأن الإنسَانَ قَد يُشاهد مِن بُعد، ولكن قليل، فهنا تضمن أنَّه قريب وأنه شَاهَد، ففرقٌ بين أَن نَقولَ: ما كنتَ شاهدًا، أي: ما كنتَ حاضرًا مشاهدًا بِعَيْنِك، ولو كنت بعيدًا، ولهذا لَيسَ في الآيَة الكَرِيمَة تَكرار، ولكن فيها شَيْءٌ مِنَ التوكيد، يعني: لا حَضرَ، ولا نَظَر، فيكون ما أَخبَر به عن ذلك مِن بَاب الوحي، لا مِن بَاب المشاهدة، ولا مِن بَاب السماع، ولكنَّه وحيٌ أُوحِيَ إليه.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: تقرير رسالة النَّبيّ ﷺ وذلك بما أخبر به عن هَذِهِ الوقائع الَّتي لَيسَ حاضرًا فيها، ولا شاهدًا.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الوحي يُسَمَّى قضاء؛ لقوله: ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾.

1 / 213