تفسير العثيمين: سبأ
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
الفائِدةُ الخَامِسَةُ: أن الجَماد يُحِسُّ بخِطاب الله ﷾، ووَجْهُ ذلك: لولا أنه يُحِسُّ لكان تَوْجيهُ الخِطاب إليه عبَثًا؛ والله ﷾ مُنزَّهٌ عن العَبَث في أَقْواله وأَفْعاله، ويَدُلُّ على أنه يُحِسُّ بذلك أنها أَوَّبَتْ معه ورجَّعت.
الفائِدةُ السَّادِسةُ: أن من فَضائِل داوُدَ ﵇ أنَّ الله تعالى أَمَر الجِبال أن تُسبِّح معه، بأن تُرجِّعَ معه التَّسبيح وقِراءة الزَّبور هي والطيرُ.
وهلِ الأَمْرُ في قوله تعالى: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أَمْرٌ كونيٌّ أو أمرٌ شَرْعيٌّ؟
الجوابُ: أنه يَحتَمِل المَعنيَيْن فإذا نظَرْت إلى أنها مَأمورةٌ بعِبادةٍ قُلْتَ: إن هذا أمرٌ شَرْعيٌّ. وإذا نظَرْت إلى أن هذه الجِبالَ لو فُرِض أنها عصَتْ هل تُعاقَبُ؟
الجوابُ: الله تعالى أَعلَمُ، ربما تُعاقَب وربما لا تُعاقَب؛ لأنّه ليس لها عَقْلٌ تُدرِك به كما يُدرِك بنو آدَمَ، قُلْت: إنه أَمْر كَوْنيٌّ، وللتَّخَلُّص من هَذَيْن الاحتِمالَيْن نَقول: إنَّ الله تعالى أمَرَ الجِبال أن تُرجع معه. ولا نَقول: أَمْرًا كونِيًّا ولا أَمْرًا شَرْعيًّا.
الفائِدةُ السَّابِعَةُ: ظُهور آية الله في تمَام القُدْرة، حيث أَلانَ الحَديد لداوُدَ ﵇؛ لقوله ﷾: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ وهذه الإِلانةُ ليس لها سَبَب حِسِّيٌّ معلوم، لأنه لو كانت بالأسباب المَعْروفة لم يَكُن فَرْقٌ بين داوُدَ ﵇ وغيره، هذا هو الصحيح، وإن كان بعضُ العُلَماء ﵏ يَقول: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ﴾ أي: هَيَّئْنا له الأسباب التي يَلين بها الحديدُ، ولكننا هَيَّئْنا له أسبابًا عظيمة قوِيَّة لا تَحصُل لغيره.
الفائِدةُ الثَّامِنةُ: أنَّ الحديد بطَبيعته قاسٍ، وهو كذلك، ولولا أن الله تعالى يُلينه بما جعَلَ من الأَسْباب ما انتَفَع الناس به، وهل هو أَقسَى أَمِ الحِجارة؟
الجوابُ: الحِجارةُ؛ ولهذا لا تَلين الحِجارةُ بالنار، والحديدُ يَلين بالنار.
1 / 94