تفسير العثيمين: سبأ
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
تحَدٍّ في غير مَوضِعه؛ لأنَّ الرُّسُل لم تَقُل لهم: إنكم تُبعَثون الآنَ. بل إذا انتَهَت الخلائقُ ومات الخلْق كلّهم بُعِثوا، فهذا التَّحدِّي في غير مَوضِعه، هذا التَّحدِّي في مَوضِعه لو كانَتِ الرُّسُل تَقول: إنَّ الناس سيُبعَث أوَّلُهم الآنَ معَ وجود آخِرهم صحَّ أَنْ يُقال ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان: ٣٦] أمَا وقد قالوا: إنهم سيُبعَثون بعد أن يَفنَى الخَلْق كلُّه ممَّن سيُبعَث، فهذا ليس فيه التَّحدِّي.
إِذَنْ: شُبهَتُهم الاستِبْعاد، والتَّحدَّي في غير مَوضِعه حيث قالوا: ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
يَقول الله ﷾: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾: ﴿بَلَى﴾ هذه يُؤتَى بها لإِبْطال النَّفْي ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي﴾ أَمَر الله ﷿ النَّبيَّ ﵊ أن يَصدَع بخِلاف ما قالوا مُؤكِّدًا ذلك بالقَسَم واللَاّم والنُّون، فـ ﴿قُلْ بَلَى﴾ جوابٌ: لإِبْطال النَّفيِ و(رَبّي): قَسَم، واللام للتَوْكِيد، والنون أيضًا للتَوْكيد فالجمْلة مُؤكَدة بثلاث مُؤكِّدات.
وقوله تعالى: ﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ أيِ: الساعةُ، وهذا أَحَد المَراضِع الثلاثة التي أَمَر الله به نَبيَّه أن يُقسِم عليها.
والمَوْضِع الثاني: قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [يونس: ٥٣].
والمَوْضِع الثالِث: قولُه تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: ٧].
وإنَّما أَمَر الله تعالى نَبيَّه محُمَّدًا ﷺ أن يُقسِم على ذلك؛ لأَهمِّيَّته وعِظَمه؛ ولأَنَّه مُقتَضى البَلاغة؛ فإنَ مُقتَضى البَلاغة أنَ المُنكِر يُؤتَى له بالكَلام مُؤكَدًا بمُؤكِّدٍ واحِد
1 / 29