تفسير العثيمين: سبأ
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
٣ - حِكْمةٌ غائِيَّةٌ في القَدَر.
٤ - حِكْمة صُورية في القَدَر.
وكُلُّ ذلك ثابِت لله ﷿، وإذا آمَن الإنسان بهذا اطمَأَنَّ إلى أحكام الله تعالى الكَوْنية والشَّرْعية، ولم يَنقَدِح في ذِهْنه أيُّ اعتِراض؛ لأَنَّه يَعلَم أنَّ هذا صادِرٌ عن حِكْمة، وإذا عَلِم أنَّه صادِرُ عن حِكْمة فإنه لا يَبقَى في قلبه شَكٌّ من أنَّ هذا هو عيْنُ الصواب، وهو الذي تَقتَضيه الحِكْمة؛ وبهذا يَطمَئِنُّ الإنسان إلى شريعة الله تعالى، وَيطمَئِنُّ الإنسان أيضًا إلى قدَرِ الله ﷿، وَيعلَم أن هذا هو الصوابُ الذي لا يَجوز غيرُه.
و(حَكِيمٌ) بمعنى حاكم فهو إذا صيغة مبالغة (فعيل)، وإذا كان (حكيم) من أحكم فهو بمعنى محكم وفعيل تأتي بمعنى مفعل ومنه قول الشاعر (^١):
أَمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُني وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
وقول المُفَسّر ﵀: [﴿الْخَبِيرُ﴾ بِخَلْقِهِ]، و(الخبير) معناها: ذو الخِبْرة وهي العِلْم ببواطِن الأُمور، ومنه سُمِّي الزارع خبيرًا؛ لأَنّه يَستُر الحبَّ بالحَرْث، وهل يُنافي ذلك العِلْمَ بظواهِر الأُمور؟ لا، بل إنَّه يُؤيِّده لأنَّ الذي يَعلَم ببواطن الأُمور من بابِ أَوْلى أن يَعلَم بظواهِرِها، والحِكْمة دائِمًا يَقرُنها الله ﷿ بالعِزة وبالعِلْم، وهنا قُرِنت بالعِلْم الذي يَتضمَّنه الخِبْرة وإنما يَقرُنها الله ﷿ بذلك ليَتبيَّن أنَّ حِكْمته ﷾ مَبنيَّة على عِلْمه وأنه إذا تَراءَى لك أن هذا الشيءَ ليس بحِكْمة فذلك لنُقْصان عِلْمك، وإلَّا ولو كان عندك عِلْمٌ وفَهْمٌ لعَرَفت أنَّ الحِكْمة فيما شرَعَه الله ﷿ وفيما قدَّره.
_________
(^١) البيت لعمرو بن معدي كرب، انظر: الأصمعيات (ص: ١٧٢)، الشعر والشعراء لابن قتيبة (١/ ٣٦٠).
1 / 18