تفسير العثيمين: لقمان

محمد بن صالح العثيمين ت. 1421 هجري
68

تفسير العثيمين: لقمان

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وقوله ﷾: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ الحِكْمة في الأصل هي مُوافَقَةُ الصواب. وبمَعنَى هذا قولهُم: إنَّها وَضْعُ الأشياء في مَواضِعِها، فصَاحِبُ الرأي الرشِيد والتَّصَرُّفِ السَّدِيد هذا يُعْتَبرُ حَكِيمًا؛ لأنَّه يَضَع الأشياءَ في مَواضعها؛ وهما بمَعنًى واحِد؛ لأن مُوافقَة الصواب هو وَضْع الشيء في مَواضِعه. يَقول ﵀: [منها العِلْم والدِّيانة والإِصابة في القول] الأوَّل: العِلْم تُنال به الحِكْمة، والثاني: الدِّيانة حِكْمة، والثالِث: الإصابة في القول أيضًا حِكْمة، وكذلك الإصابة في الفِعْل حِكْمة. قال المُفَسِّر ﵀: [وحِكَمُه كثيرةٌ مَأْثورة، كان يُفتِي قبلَ بِعْثة داودَ، وأَدرَك بِعثتَه، وأَخَذَ عنه العِلْم، وترَك الفُتْيا، وقال في ذلك: أَلَا أَكتَفي إذا كُفِيت. وقيلَ له: أيُّ الناس شَرٌّ؟ قال: الذي لا يُبالي إن رآه الناس مُسِيئًا] قوله ﵀: [كُفِيت] هذه مِن الحِكْمة، فإنَّ الإنسان إذا كُفِيَ يَكتَفي؛ لأنه إذا كُفِيَ ثم عَمِل بما كُفِيَ فيه لم يَكُن مِنه إلَّا إضاعة الوَقْت والتعَب. وأمَّا قوله ﵀: [أيُّ الناس شَرٌّ؟ فقال: الذي لا يُبالي إن رآه الناس مُسيئًا] هذا قد يُنازَع فيه؛ لأن هذا الذي لا يُبالي إن رآه الناس مُسِيئًا يُعتَبَر فاقِدَ الحَياءِ فقَطْ، ولا يُعتَبر شرَّ الناس، بل شرُّ الناس -في الواقِع- هو الذي يُشرِك باللَّه ﷿؛ لأنَّ هذا أَظلَم الناس فيَكونُ شرَّ الناس. ثُمَّ إن هاتين الجُمْلتين قد تَكون صحيحة إلى لُقمانَ ﵇، وقد تَكون غير صحيحة، يَعنِي: لا يُجزَم بها؛ لأنه ليس هناك سَنَد صَحيح إلى لُقمانَ ﵇ مُتَّصِل، ولم يُخْبِر النبيُّ ﵊ بذلك عنه، ومِثْلها جميع الأخبار السابِقة إذا لم تَكُن

1 / 72