تفسير العثيمين: جزء عم
الناشر
دار الثريا للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
[الذاريات: ١٣، ١٤] . فهؤلاء أحرقوا المؤمنين وأحرقوا المؤمنات في النار.
وقيل: فتنوهم أي صدوهم عن دينهم. والصحيح: أن الآية شاملة للمعنيين جميعًا، لأنه ينبغي أن نعلم أن القرآن الكريم معانيه أوسع من أفهامنا، وأنه مهما بلغنا من الذكاء والفطنة فلن نحيط به علمًا، والقاعدة في علم التفسير أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما عن الآخر ولا يتضادان فإنها تحمل عليهما جميعًا، فنقول: هم فتوا المؤمنين بصدهم عن سبيل الله، وفتنوهم بالإحراق أيضًا. ﴿ثم لم يتوبوا﴾ أي يرجعوا إلى الله من معصيته إلى طاعته ﴿فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق﴾ لأنهم أحرقوا أولياء الله فكان جزاؤهم مثل عملهم جزاء وفاقًا. وشتان بين نار الدنيا ونار الآخرة فقد فضلت على الأولى بتسعة وتسعين جزءًا.
في هذه الآيات من العبر: أن الله ﷾ قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله ﷿ الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم، وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة، المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله ﷾ ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، فمثلًا نحن نسمع ما يحصل من الانتهاكات العظيمة، انتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي، فنقول: سبحان الله ما هذا التسليط الذي سلطه الله على هؤلاء المؤمنين؟ نقول يا أخي لا تستغرب فالله ﷾ ضرب لنا أمثالًا فيمن سبق يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في بلاد المسلمين هذا رفعة درجات للمصابين، وتكفير السيئات، وهو عبرة للباقين، وهو أيضًا إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله ﷿ أخذ عزيز مقتدر.
1 / 130