تفسير العثيمين: الزمر
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
فالوازرة حكمًا هي: القابِلَة للإثم؛ يعني التي يمكن أن تتحمَّل الإثْمَ، وإن لم تَعْمَلِ الوِزْر، والوازِرَة حقيقةً هي: التي فَعَلَتِ الإثْمَ.
مثال ذلك: رجلٌ بالغٌ عاقلٌ، لكنه صالِحٌ نقول: هذا وازرٌ حُكْمًا، ورَجُلٌ آخر زنى أو سرق، نقول: هذا وازرٌ فِعلًا، إذا كان بالغًا عاقلًا، وهذا هو السِّر في أنَّ الله قال: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾، ولم يقل: (ولا تزر نفسٌ وِزْرَ أخرى)، بل قال: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾؛ لأنَّ مَن ليست وازِرَة، لا تَزِرُ شيئًا لا عن نفسها ولا عن غيرها ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ ﴿وِزْرَ أُخْرَى﴾؛ أي إثْمَ نفسٍ أخرى، ومعنى (لا تَزِرُ)؛ أي لا يَلْحَقُها وِزْرُه؛ أي الإثْمُ؛ ولهذا فسَّره المُفَسِّر ﵀ بقوله: [أي لا تَحْمِله] لا تَحْمِل وازرةٌ وِزْرَ أخرى.
فإن قال قائل: الغلامُ إذا بلغ عشرة سنين فإنه يُكلَّف بالصَّلاة، هل يكون وازِرَة؟
فالجواب: لا، لا يُكلَّفُ؛ ولكنْ يُضرَبُ عليها لعشرٍ من باب التَّأديب على التَّمَرُّن على الطَّاعَة، وإلا لو تركها فإنه لا يأثَمُ.
وإن قيل: كيف نجمع بين هذه الآية: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ وبين ما ورد أنَّ المَيَّتَ يُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه (١)؟
فالجواب: هذا ينبغي أن يُورَد على الآية، وهو أنَّ النَّبِي ﵊ ثبت عنه: أنَّ الميِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أَهْلِهِ عليه، وعائِشَةُ ﵂ قالت: إنَّ المرادَ بذلك
_________
(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه". إذا كان النوح من سنته، رقم (١٢٨٦). ومسلم: كتاب الكسوف، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم (٩٢٧)، من حديث ابن عمر ﵄.
1 / 70