تفسير العثيمين: الزمر
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
﴿تَعْلَمُونَ﴾ لكان أَوضَحَ؛ لأن الذي في الآية ليس المَصدَر، ولكنه الفِعْل، وكان عليه أن يَقول: مَفعول ﴿تَعْلَمُونَ﴾، لكن الكِتاب (١) في الحَقيقة مُؤلَّف لطلَبة عِلْم؛ ولهذا نحن لا نَنْصَح بقِراءة هذا الكِتابِ للمُبتَدِئ؛ لأن هذا الكِتاب وإن كان صغيرًا أكبَرُ من فَهْم المُبتَدِئ.
إِذَنْ: ﴿مَنْ﴾ مَوْصولة مَفعول للعِلْم، وجُملة: ﴿يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ إذا كانت ﴿مَنْ﴾ مَوصولة فجُملةُ ﴿يَأْتِيهِ﴾ لا محَلَّ لها من الإعراب صِلةُ المَوْصول، وقوله: ﴿عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ العَذاب عُقوبة وجُملة: ﴿يُخْزِيهِ﴾ صِفة لـ ﴿عَذَابٌ﴾، وليست جوابًا لـ ﴿مَنْ﴾؛ لأن ﴿مَنْ﴾ اسمٌ مَوْصول لا تَحتاج إلى جواب.
ثُمَّ قال المُفَسِّر ﵀: ﴿وَيَحِلُّ﴾ [يَنزِل ﴿عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ دائِم، وهو عذاب النار وقد أَخزاهم الله ببَدْرٍ]، يَعنِي أن أكبَرَ ذُلًّ حصَل لقُرَيْش ما حصَل في بَدْر؛ لأن الله ﷾ جمَع زُعَماءهم وكُبَراءهم وأَشرافهم حتى خرَجوا في ذلك اليومِ، وقُتِل هؤلاءِ الأشرافُ والكُبَراءُ، وسُحِبوا وأُلقوا في قَليبٍ من قُلُب بَدْر، وهي قَليبٍ خَبيثة مُنتِنة، فكان جَزاؤُهم - والعِياذُ بالله تعالى - هذا الجزاءَ، وهذا من أعظَمِ الخِزْي، حتى وقَف النبيُّ ﷺ عليهم يُوبِّخهم ويُندِّمهم؛ يَقول: "يا فُلانُ بنَ فُلانٍ". بأَسمائهم وأَسماء آبائهم، "يا فُلانُ بنَ فُلانٍ، هل وجَدْتُم ما وعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، فإنِّي وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا". فقالوا: يا رسول الله: تُكلِّم أُناسًا قد جَيَّفوا! كيف تُكلِّم جِيفًا؟ فقال ﷺ: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ"، ولكنهم لا يَستَطيعون الجوابَ (٢).
(١) أي: تفسير الجلالين.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، رقم (٢٨٧٤)، من حديث أنس ﵁. وأخرجه بنحوه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، رقم (١٣٧٠)، من حديث ابن عمر ﵄
1 / 284