تفسير العثيمين: الزمر
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
أَقولُ: الكونية هي التي يَلزَم منها وقوع المُراد، وعلى هذا فالكافِر مُرادٌ منه أن يُؤمِن ولم يُؤمِن، ومُرادٌ منه أن يَكفُر وقد كفَرَ، فمُرادٌ منه أن يُؤمِن بالشَّرْعية - ومُرادٌ منه أن يَكفُر - بالإرادة الكونية - فكفَر.
والمُؤمِن الذي آمَن؛ مُرادٌ منه أن يُؤمِن - بالإرادة الشرعية - ومُرادٌ منه أن يُؤمِن - بالإرادة الكَوْنية - لأنه آمَن.
وعلى هذا فالمُؤمِن اجتَمَع في حَقِّه الإرادتان: الكَوْنية والشَّرْعية، والكافِر في حَقِّه الإرادة الكونية دون الشرعية.
فهنا قوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ وقوله تعالى: ﴿أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ﴾ أَراد بهما الإِرادة الكونية.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الله ﷿ يَبتَلي الإنسان بالضُّرِّ وبالرحمة، وهو كذلك، فيَبتليه بالضُّرِّ ويَبتليه بالرحمة؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٣]، فالله ﷿ يَبتَلي بالضُّرِّ ويَبتِلي بالرحمة.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الفَرْق بين الضُّرِّ وبين الرحمة، أن الرحمة قال تعالى فيها: ﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ والضرُّ قال تعالى فيه: ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾؛ لأن الرحمة تَحتاج إلى بَقاء فإذا أَبقَى الله تعالى الرحمة، فهل هذه الأَصنامُ هي التي تُمسِك الرحمة أو الله تعالى؟ بل الله ﷿ هو الذي يُمسِك الرحمةَ، وليست هذه الأَصنامُ.
ويُحتَمَل في الآية وجهٌ آخَرُ، وهو أن قوله تعالى: ﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ مَعناه: أن تَصِل إلى المَرحوم، فيَكون ﴿مُمْسِكَاتُ﴾ بمَعنى: مانِعات للرحمة؛ ليَكون ذلك في مُقابِل ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾.
1 / 277