تفسير العثيمين: الزخرف
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وهَذَا شَيءٌ مُشاهَد، تجِدُ الأرضَ قَاحِلَةً مجُدبَةً ليسَ فيهَا خَضْراء، فإِذَا نزَلَ المطَرُ أَصبحَتْ تَهتزُّ مِنَ النَّباتِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهيجٍ.
وقوُله: [﴿كَذَلِكَ﴾ أَي: مِثْلَ هَذَا الإِحيَاءِ] ﴿تُخْرَجُونَ﴾، يَعْنِي: كَمَا أَحْيَينا الأَرْضَ بالمطَرِ فكذَلِكَ نُحييكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ قَال اللهُ ﷾ فِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ هَامِدَةً، ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ أَي: عَلَتْ بنبَاتِها، ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير﴾ [فصلت: ٣٩].
من فوائد الآيات الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيَانُ نعمَةِ اللهِ ﷿؛ حيثُ جعَلَ لَنَا الأَرْضَ مِهَادًا، ولَوْ كَانَتْ صُلبَةً مَا استقَرَرْنا عَلَيهَا، ولَا حَرَثْنَاها، ولَا انتَفَعْنا بِهَا كثِيرًا، ولَوْ كَانَتْ رِخْوةً كذَلِكَ لَمْ نَنتَفِعْ بِهَا، ولغَاصَتْ أقْدَامُنا فِيهَا، ولكِنْ مِنْ نِعمَةِ اللهِ أَنْ جعَلَها كالمِهَادِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: نِعمَةُ اللهِ عَلَينا بِمَا جَعَلَ لَنَا مِنَ الطُّرُقِ عَلَى تَبَاعُدِ أقْطَارِهَا، ونَستدِلُّ عَلَى الطُّرقِ بالشِّعابِ والجِبَالِ، وكذَلِكَ بالنُّجُومِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثْبَاتُ حِكْمَةِ اللهِ ﷾ فِيمَا يَخْلُقُ فِي قَولِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون﴾ وحِكْمَةُ اللهِ ﷿ فِيمَا يَخْلُق وفِيمَا يُشرِّعُ ثَابِتَة، لكِنَّ مِنَ الحِكَم مَا نَعْلَمُ، ومنَ الحِكَمِ مَا لَا نَعْلَمُ؛ لقُصورِ أفهَامِنَا، ومنَ الحِكَمِ مَا يَعْلَمُه كثِير مِنَ النَّاسِ، وتَخْفَى عَلَى كَثِيرينَ آخرِينَ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: الإشَارَةُ إِلَى أنّه إذَا كَانَ المَقصُودُ الحِسِّيُّ يَحتَاجُ إِلَى طرقٍ، فكَذَلِكَ المَقْصُودُ المَعنويُّ، وهُوَ الوُصُولُ إِلَى دَارِ كَرَامَةِ اللهِ عَزَّ جلَّ، فإِنَّهُ يَحتَاجُ إِلَى طُرُقٍ لَا بُدَّ أَنْ نَسلُكَ هَذه الطُّرُقَ حتَّى نَصِلَ إِلَى المَقْصُودِ، فإِنْ لَمْ نَسلُكْها فلَنْ نَصِلَ إِلَى المَقصُودِ.
1 / 68