132

تفسير العثيمين: الزخرف

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

يَقُولُ: سأَعبُدُ الله سواءٌ عَرَفْتُ الحِكْمةَ مِنْ هَذَا أَوْ لَا.
مثالُ ذَالِكَ: رَمْيُ الجمَرَاتِ في الحَجِّ، يَأتِي الإنسَانُ بحَصًى مُعيَّنةٍ، ويَرمِيها في مَكَانٍ مُعيَّن، بينمَا لَوْ أَتَى بأضْعَافِ تِلْكَ الحَصَى بعْدَ عشَرَةِ أيَّامٍ ورَمَى فِي هَذَا المكَانِ؛ لعُدَّ هَذَا عبَثًا، فَمَا الحِكْمَةُ؟
الجَوابُ:
أولًا: الحِكْمَةُ أن ذَلِكَ لإقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ؛ ولهَذا كُلَّما رَمَى الإنسَانُ قَال: اللهُ أكبَرُ.
ثَانيًا: أَنْ يَظْهَرَ بذَلِكَ أثَرُ التَّعبُّد المُطلَقُ، حيثُ يَفعَلُ الإنسَانُ هَذَا الفِعْلَ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الغَايَةَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحدِيدِ، وأمثَالُ هَذَا كثِيرٌ، ولهَذَا أَطْلَقَ الفُقَهَاءُ ﵏ عَلَى الأحْكَامِ الَّتِي لَا تُعلَمُ حِكْمَتُهَا اسْمَ تَعبُّديَّة، أَوْ هَذَا تَعبُّد، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لأنَّهُ ليسَ الغَرَضُ مِنْهُ إلَّا إقَامَةَ العِبَادَةِ للهِ ﷿.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: جوَازُ استِخْدَامِ العُمّال، تُؤْخَذُ مِنْ قَولِهِ تعالى: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: الحِكْمَةُ العظِيمَةُ فِي هَذَا -أَي: فِي التَّفاوُتِ- لأَنَّهُ لَوْلَا هَذَا التَّفاوُتُ مَا عُرِف قَدْرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الغَنِيِّ بالغِنَى، وعَلَى العَاقِلِ بالعَقْلِ، وعَلَى القَويِّ بالقُوَّة، وهكَذَا، لَولَا الجُنُونُ مَا عُرِفَ قَدْرُ قِيمَةِ العَقْلِ، ولَوْلَا المَرَضُ مَا عُرِف قَدْرُ قِيمَةِ الصِّحَّةِ، إذَنْ هَذَا مِنَ الحِكْمَةِ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أن رَحمَةَ اللهِ ﷾ ومنْهَا الجَنَّة ﴿خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أَي: مِنْ كُلِّ مَا يَجمَعُونَ؛ لأَنَّهُ الغَايَةُ الَّتِي يَسعَى إلَيهَا كُلُّ مُؤمِنٍ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَسْعَى إلَيهَا كُلُّ عَاقِلٍ.

1 / 136