تفسير العثيمين: السجدة
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
لو ترى ذلك الوَقْتَ الذي فيه المُجْرِمون على هذا الوَصْفِ لرَأَيْت أمرًا مُوجِعًا فظيعًا، وقوله ﷾: ﴿إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ مبتدأٌ، و﴿نَاكِسُو﴾ خبرٌ، والنُّونُ التي في (ناكِسُونَ) حُذِفَتْ لأَجْلِ الإضافَةِ.
وقوله تعالى: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ أي: مُطَأْطِئُوها؛ يعني: خافِضُوها، والعياذُ بالله.
وقوله ﷾: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يعني: عند الله ﷿ وَهُم بين يديه يومَ القيامَةِ، ولكن ناكِسُوها، يقول المُفَسِّر [حياءً] وفي النَّفْسِ من هذا التَّفْسيرِ شيءٌ، ولَكِنَّ الظَّاهِرَ أنَّهُم ناكِسُوها ذُلًّا وخُضُوعًا لسلطانِ الله؛ بدليل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ أمَّا حياءً فالحياءُ محمودٌ، لكنْ كَوْنُهم يَنْكسونها ذلًّا هذا هو الواقِعُ: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ذلًّا؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥].
وقوله ﷾: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ جملة: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ مقولٌ لِقَوْلٍ محذوفٍ؛ تقديره: يقولون ربنا أَبْصَرْنا، يعني يا رَبَّنا، ونادَوُا الله تعالى باسم الرُّبُوبِيَّة؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّ الجُمَل الدُّعائِيَّة تأتي مُصَدَّرَة برَبٍّ؛ لأنَّ (رب) هو المالِكُ المتصَرِّفُ.
قال المُفَسِّر ﵀: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ ما أَنْكَرْنا من البَعْثِ] هذا ما قاله المُفَسِّر؛ وعليه فيكون مفعولُ أبْصَرْنا محذوفًا، والتَّقْديرُ: ما أَنْكَرْنا من البَعْثِ.
ويُحْتَمَل أنَّ ﴿أَبْصَرْنَا﴾ هنا أي: حَضَرَت أَبْصارُنا وبصائِرُنا، فيكون أعَمَّ مما قدَّرَه المُفَسِّر؛ يعني: صِرْنا ذَوِي بَصَر وبصيرة الآن، فيكون أعَمَّ؛ يعني كأنَّهُم يقولون: الآن صِرْنا ذَوِي بَصَر وبصيرة، وهذا المعنى أعَمُّ وأَبْلَغ.
1 / 63