تفسير العثيمين: السجدة
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
أو في للظَّرْفِيَّة ولا تقتضي الإستيعابَ؟
الجوابُ: أنَّ (في) للظَّرْفِيَّة ولا تَسْتَلْزِمُ الإستيعابَ؛ يعني: ليس بلازِمٍ أنَّ الأَمْرَ يَنْزِلُ مثلًا عند صلاة الفجر ولا يَعْرُج إلا في الغروب؛ فقد يَنْزِلُ ويَعْرُج في لحظَةٍ حسب ما أراد الله ﷿؛ لأنَّ (في) لا تقتضي الإستيعابَ، فإذا قُلْتَ: (زُرْتُكَ في يَوْمِ الأَحَدِ) فلا يقتضي أن تكون الزِّيارَةُ مُسْتَوْعِبَةً لجميع اليوم، ولكن في وَقْتٍ من هذا اليوم، فإذن ﴿فِي يَوْمٍ﴾ أي: في وقْتٍ من هذا اليَوْمِ، وهذا اليَوْمُ كان مِقْدارُهُ ألْفَ سنة ممَّا تعدُّون.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: في هذه الآية دليلٌ على كمالِ سُلْطان الله ﷿؛ حيث جعل تدبيرَ الأمورِ إليه، ﴿يُدَبِّرُ﴾ هو؛ ففيه كمال السُّلْطان، وأنَّ الكمال له وَحْدَه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: رَدٌّ على القَدَرِّية، الذين يدَّعُون أنَّ أَمْرَ الإنسان مستَقِلٌّ به؛ لأننا نقول: إنَّ فِعْلَ الإنسان من الأمور، والذي يُدَبِّرُه هو الله ﷿.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وفيه دليلٌ لقَوْلِ الجَبْرِيَّةِ!
فالجوابُ أن نقول: لكنْ هناك آياتٌ تدلُّ على أنَّ الإنسانَ فاعلٌ بالإختيارِ؛ لقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [التكوير: ٢٨ - ٢٩] وفي قوله ﷾: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢] وقوله ﷾: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] وما أشبه ذلك؛ فكلُّها تدلُّ على أن للإنسان إرادةً واختيارًا.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات عُلُوِّ الله ﷿؛ من قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ
1 / 37