تفسير العثيمين: الروم

محمد بن صالح العثيمين ت. 1421 هجري
76

تفسير العثيمين: الروم

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

لَو قَالُوا لِلنَّاس: افْعَلُوا كَذا أوْ لَا تفْعَلُوا كَذا بدُونِ ترْهِيبٍ ولَا ترْغِيبٍ مَا أطَاعَهُم النّاسُ، فكَانُوا يقُولونَ لِلنَّاسِ: إِنَّ لكُم ربًّا عظِيمًا وإلهًا قادِرًا، وإِنَّ لكُم معادًا يَكُونُ فِيه الجنَّة أوِ النَّارُ، والأمْرُ ليْسَ كَذَلِكَ عنْدَهُم، يعْنِي إِنَّما ذَكَرُوا ذَلِك مِنْ أجْلِ إِقَامَةِ النّاسِ عَلَى الطّريقِ التي سَنُّوها لهم، وَهَذا معْنَاهُ الكفْر بالبعْثِ وَبِالرّسالَةِ وحتَّى بأنفُسِهم؛ لأَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ باللهِ ﷿ فقَدْ كَفَر أوَّلَ مَا كَفَر بنَفْسِه؛ لأنهُ أنْكَرُ أنْ يكُونَ لَه خالقٌ. قوْله تَعالَى: ﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾: أعُوذُ باللهِ، المرَادُ بِالعذَابِ هُنَا العقوبَةُ، وجَعل العذابَ ظرْفًا لهم لأنَّهُ محِيطٌ بِهِمْ مِن كُلِّ جانِبٍ، كَما قَالَ الله تَعالَى: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥٥]. وقوْله تَعالَى: ﴿مُحْضَرُونَ﴾ مِن الإحْضَارِ أحْضَرْتُه، بمَعْنى: جعَلْتُه يَحْضُر هَذا الشّيْءَ، فهَؤُلاءِ محُضرُونَ في العذابِ بدُونِ اخْتِيارِهِمْ، لَوْ رَجع الأمْرُ إِلَى أنْفُسِهم مَا حَضَرُوا، لكِنَّهم يُحْضَرونَ فِيه كَرْهًا. من فوائد الآيتين الكريمتين: الفائدة الأولى: إثْبَات القيَامَةِ؛ لقوْلِه تَعالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾. الفائدة الثانية: أنَّه في ذَلِك اليَومِ يتفَرَّقُ النّاسُ إِلَى فَريقَيْنِ: فَريقٌ في الجنَّةِ، وفَريقٌ في السّعِيرِ. الفائدة الثالثة: أنَّ الآباءَ مَع أوْلادِهِم والأمَّهاتِ مَع أوْلَادِهم إِذا كانَ أحَدُهم كافِرًا والثّاني مُؤْمِنًا يتَفرَّقونَ، ولَا يُمْكِنُ أنْ يُنْقِذَ أحَدٌ أحدًا في ذَلِك اليَوْمِ لِعُمُوم قوْله تَعالَى: ﴿يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ولم يَسْتَثْنِ الأوْلادَ مَع والدِيهم

1 / 82