تفسير العثيمين: الروم
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
أَشْرَكُوهُمْ بِاللهِ]، فصَارَتِ الإضافَةُ هُنا مِنْ بَابِ إِضافَةِ الشّيْءِ إِلَى مفْعُولِهِ، أي الَّذِين جَعلُوهُمْ شُركَاءَ لَهُمْ.
وقوْله تَعالَى: ﴿شُفَعَاءُ﴾ جَمْعُ (شَفيع) بمعْنَى شَافِع، وَالشّافِعُ هُو مَن يتوسَّطُ للغَيْرِ إمَّا لجَلْبِ منفَعَةٍ، وإمَّا لدَفْع مضَرَّةٍ، وسُمِّي شافِعًا لأنك بِه كُنْتَ شِفْعًا بعْدَما كنْتَ قبْلَه منْفَرِدًا، وَهذا سُمِّي الشّفِيع شافِعًا لهذا الوَجْهِ، أما الشّفاعةُ لجلْبِ المنْفَعة فَكأَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فيتوسَّطُ لَه عنْدَ الملِكِ ليُعْطِيَه مالًا. وأمَّا دفْعُ المضَرَّة فكَأَنْ يتوسَّطَ لَهُ ليُخْرِجَهُ مِن السّجْنِ، ومثاله أيْضًا في الشّرْعِ شفاعَةُ النّبيِّ ﵊ في أهْلِ النّارِ أنْ لَا يدْخُلوهَا، فهَذِهِ شفاعَة لدَفْعِ مضَرَّةٍ، وشفاعَتُه لأهْلِ الجنَّة أنْ يدْخلُوهَا جلْبٌ لمنْفَعَةٍ، فهَؤُلاءِ لم يَكُنْ لهم مِنْ شُركائِهم شُفَعَاءُ.
قولُه ﵀: [﴿وَكَانُوا﴾ أي يكونونٍ]: مثْلُ مَا قَال في: ﴿وَلَمْ يَكُنْ﴾.
قولُه ﵀: ﴿بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ أي متبرِّئينَ منهم]: نَعَمْ، في يوْمِ القيَامَةِ هَؤُلاءِ الشّركَاءُ الَّذِين كانُوا يَرْجُونَ منْفَعَتَهُم في يوْمِ القيامَةِ يَكْفُرونَ بِهم ويتبَرَّؤُونَ منْهُم، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ [البقرة: ١٦٧]، فهُمْ يكْفُرونَ بِهم يوْمَ القيامَةِ لَا هَؤُلاءِ ولَا هَؤُلاءِ المعبُودُونَ يكْفُرونَ والعابِدُون أيضًا يكْفُرونُ، كُل منْهُم يكْفُرُ بِبَعْضٍ - والعياذُ باللهِ -، بيْنَما كانُوا في الدّنيا يَرْجُونَ شفَاعَتَهُم وخيْرَهُم، قَال ﷾: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] لكِنَّهُم في يَوْمِ القيَامَةِ - والعياذُ باللهِ - يتبرَّأُ بعضُهُمْ مِن بعضٍ.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: قِيامُ السّاعَة وأَنَّه كائِن لَا محالَةَ؛ لقوْلِه ﷾: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾.
1 / 75