تفسير العثيمين: الروم
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
الآية (٦)
قَالَ اللهُ ﷿: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦].
قال المُفَسِّر ﵀: [﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾، مَصْدَرٌ بَدَلٌ مِن اللَّفْظِ بِفِعْلِهِ، والأصْلُ وَعَدَهُمُ الله النّصْرَ]؛ نعْلَم أنَّه مصْدَر وليْسَ فعْلًا، مصْدَرٌ مضَافٌ إِلَى الفاعِل، يعْنِي وَعَد الله إِيَّاهُم، فالمُفَسِّر ﵀ يقولُ: [إنه بدَلٌ مِن فِعْلِه]، أيْ نَائِبٌ منَابَ الفعْلِ، أيْ وعَدَهُمُ الله وقِيلَ: مصْدَرٌ فعلُهُ محذوفٌ وليْسَ نائِبًا عنْهُ، وعَلى هَذا فيكُونُ المقَدَّرُ كالموجُودِ، أيْ وعَدْناهُم وعْدَ الله، وَهَذا أقرَب، والمعْنَى أنَّ الله وعدَهُم وعدًا مُضافًا إِلَيْهِ، والوَعْدُ المضَافُ إِلَيْهِ لا يختَلِفُ؛ وَلِهَذا قَال: ﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾، فهذِه الجمْلَةُ كالتّوكِيد لقوْلِه تَعالَى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾؛ لأَنَّ المضاف إِلَيْهِ في ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ لا يُمْكِنُ أن يخلِفَ أبَدًا، إِذ إِنَّ إخْلَاف الوَعْدِ ناشِئٌ عَن كذِبٍ أوْ عَجْزٍ، فإِذا وَعدَكَ أحدٌ فأخْلَفَك فَهُو إمَّا كاذِبٌ وإِمَّا عاجِزٌ، والكذِبُ والعجزُ ممتَنِعانِ عِنِ الله ﷿؛ لكِمالِ صِدْقهِ وقُدرَته، فعَلى هَذا لا يُخْلِف الله وعدَه، ولَا يُمْكِنُ أن يُخْلِفَه.
وإِخْلَافُ الوَعْدِ أنْ يَأْتِي الوَاعِدُ بخلَافِ ما وَعَد بِه، مثلًا رجُلٌ قَال لَك: سأزُورُك غدًا في السّاعَةِ الثّامنَةِ، ثمَّ تأْتِي الثّامِنةُ ولَا يزُورُكَ، فهذا أخْلَف وعْدَه، وسبَبُ إخلَافِه إمَّا أنَّه عاجِزٌ أوْ هُو كاذِبٌ مِنْ أوَّلِ الأمْر أوْ نَسِي، والنّسيانُ أيضًا
1 / 32