تفسير العثيمين: الروم
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
إِذَن: المُرادُ بالنَّاس فِي قولهِ: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا﴾ عامٌّ أُريدَ بِهِ الخصوصُ، يعني الكفَّارَ؛ لأَنَّ هَذَا الوصفَ لا ينطبقُ إلا عَلَيْهِم، أمَّا المُؤْمِن فإنَّهُ إِذِا قَضَى الله له قضاءً لم يكنْ بِهَذا الوصفِ.
قال المُفَسِّر ﵀: [وغيرَهم] بالنَّصب؛ لأَنَّ [كفارَ] بالنّصب.
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿رَحْمَة﴾ نِعْمَةً ﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ فَرَحَ بَطَرٍ ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ شِدَّةٌ ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ يَيْأَسُونَ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَمنْ شَأْنِ المُؤْمِنِ أَنْ يَشْكُرَ عِنْدَ النِّعْمَةِ ويرْجُو رَبَّهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ].
قوْله تَعالَى: ﴿رَحْمَةً﴾ تشملُ جميعَ النِّعم من مالٍ وأولادٍ وأمنٍ ورخاءٍ فِي العيشِ وغيرِ ذَلِك، فكل مَا يَنْعَمُ بِهِ الإنسانُ فإنَّهُ داخِلٌ فِي ذَلِك؛ وَلهذا قَالَ [نِعْمَةً].
وقوْله تَعالَى: ﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ قيَّدها المُفَسِّر ﵀ بقوله: [فَرَحَ بَطَرٍ]، احترازًا من الفرحِ بنعمةِ الله فَرَحَ شُكْرٍ، فإن هَذَا لا يُذم كما قَالَ الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨]، فأمرَ الله تَعالَى أنْ نفرحَ بفضلِ الله ورحمتِه، وَعَلَى هَذَا فالفرحُ نوعان، فرحُ بطرٍ يؤدي إِلَى الأشَرِ والاستكبارِ عنِ الحقِّ والتّعالي عَلَى الخلْقِ، فَهَذَا هُوَ المذمومُ.
والثاني فرحُ شُكْرٍ يَكُونُ الإنسانُ فَرِحًا بنعمةِ الله، لكن هَذَا الفرحَ يحملهُ عَلَى شكرِ النِّعمةِ، فَهَذَا لَيْسَ بمذمومٍ، وَهُوَ من طبيعةِ الإنسانِ، فإنَّ الإنسانَ إِذَا رُزِقَ ولدًا فَرِحَ، وإِذَا رُزِقَ مالًا فَرِحَ، وإِذَا كَانَ طالِبَ علمٍ فتوصَّلَ إِلَى مَسْأَلةٍ من مسائلِ العِلْمِ فَرِحَ، فَهُوَ من الأمورِ الطّبيعيةِ، لكنْ إنْ أبدلَ فرحَه إِلَى الأَشَرِ فإِنَّهُ محرمٌ ومذمومٌ وإلا فلا.
1 / 213