تفسير العثيمين: الروم
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
الآية (٣٠)
* قَالَ اللهُ ﷿: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الرّوم: ٣٠].
* * *
قوْله تَعالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾: بعْدَ أنْ توعَّد هَؤُلاءِ المُشرِكينَ بما توعَّدهم بِهِ، وبَيَّنَ أن لا أحدَ يهْدِيهم، قَال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾.
قال المُفَسّر ﵀: [مَائِلًا إِلَيْه: أَيْ أَخْلِصْ دِينَكَ للهِ أنْتَ وَمَنْ تَبِعَكَ].
قالَ المُفَسّر ﵀: [مائلًا إليه]، ونقُولُ: مَائلًا إِلَيْهِ وعمَّا سِواه أيْضًا؛ وَلِهَذا حُذِف المتَعَلِّق ليَكُونَ شَامِلًا للْمَيْل إِلَى الدِّين، والمَيْل عَن الدّين، وأصْلُ الحنَف ميْلُ الرجُل، فالرِّجل المَائِلَةُ تُسمَّى حَنْفَاء، فَالحنِيفُ معْنَاه المَائِل (عَنْ) و(إلى)، عَن الشّركِ إِلَى التَّوحِيد، وعَنِ المَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ.
وقوْلهُ ﵀: [أيْ أَخْلِص دِينَك للهِ أنْتَ وَمَنْ تَبِعَك]: هَذا تفسِيرٌ معنَوِيٌّ لقوْلِه تَعالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ ولَو جُعِل أعمَّ مِن ذَلِك لكَان أَوْلى؛ لأَنَّ إقامَةَ الوَجْه تشْمَلُ الإِخْلاص وتمَام الاتِّباعِ؛ لأَنَّ إقامَة الوَجْه نحْوَ الشّيْءِ يسْتَلْزِمُ متابَعَتَه، وعدَمَ المخالَفَةِ، فيكُونُ شامِلًا لإِخْلاصِ النِّيَّةِ وللاتّبَاعِ اللَّذَيْن هُما أسَاسُ العَمَل، كُلُّ عمَلٍ لا ينْبَني عَلَى الإِخْلاص والمُتابَعَةِ فَهُو بَاطِلٌ لأنَّهُ إِذا فُقِد الإِخْلاص صارَ شِرْكًا،
1 / 173