تفسير العثيمين: النور
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
ويطْعَنوا في أهلِه وفي أَصْحابِه كَما سبَق.
ومنَ المعْلُوم أنَّ أطيبَ الطَّيِّبين منَ الخلْق هُو النَّبيّ ﵊، فلا يُمكِن أنَّ الله ﷾ يجعَل تحْتَه امرأةً خَبِيثَة؛ ولهذا قَال الله ﷾ وفسَّره المُفسِّر: ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ مِنَ النِّسَاء وَمنَ الْكَلِمَات ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ بمَعْنى أن الخَبيثَ يكونُ عنْدَه خَبِيثة، ولا يُمكِن أن تكونَ الطَّيِّبة عنْدَ الجبيثِ، وكذَلِك لا يُمكِن أن تكونَ خَبِيثَة عنْدَ طيّب.
مثالُ ذَلِك: لو فُرض أن عَائِشَة ﵂ حصل منْها ما رُمِيَت به، لكانت خَبِيثَةً تحت طيِّبٍ، وهَذا لا يُمكِن؛ لأنَّ الخبيثاتِ هُنَّ للخَبيثين.
وقوْله: [منَ النِّسَاء] هَذا واضِحٌ، و[منَ الكَلِمات] يَعْني كذَلِك أيضا لا يَنطق بالكَلِمات الخَبيثة ولا يستَحِقُّ أن يُوصَف بها إلا مَن كان خَبِيثًا، فعَائِشَةُ ﵂ لا يُمكِن أن تُوصَف بما رُمِيت به؛ لأنَّها طيِّبة ولا يلِيقُ بها إلَّا الطَّيِّب منَ الكَلِمات.
وهَكَذا أيضًا ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾، فلو أنَّ شخصًا رَمى بالزِّنا رجلًا عنْدَ امرأةٍ طيِّبة، نَقُول: هَذا أيضًا لا يُمكِن؛ لأنه لا يُمكِنُ أن يكُونَ خَبِيث إلا لخبِيثَةٍ، وهَذا من حِكْمَة الله ﷿.
إذَنْ فهَذِه قَاعِدَةٌ عامَّةٌ، وعلَيْها فقد صارَتِ المراحِيضُ ومواضِعُ الأَذى مأوَىً للشَّياطينِ، والمساجِدُ والأماكِنُ الطيِّبة مأوىً للملائِكَة، بل نَزِيد على ذَلِك أن النَّفْس الطَّيِّبة يقْتَرِن بها الطَّيِّب، فتؤيِّدُها الملائِكَةُ، والنَّفْس الخبيثَةُ يقْتَرِن بها الجبيثُ، فالإِنْسان السيِّءُ الزَّائِغ يُسلَّط علَيْه قرينٌ حتَّى يكون مصاحبًا له فيُغْريهِ ويُضلُّه، والنَّفْس الطَّيِّبة يُعينُها الله ﷾ على قَرينها، حتى يُسلِّم، وحتَّى لا يأمُرَها بشَرٍّ.
1 / 144