تفسير العثيمين: النمل
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
ولهَذَا يَجِب عَلَى العاقلِ أن يَكُون حَذِرًا دائما، ولستُ أدعو فِي قولي هَذَا إِلَى سوء الظن باللهِ ﷿، ولكِني أدعو إِلَى النظرِ فِي الأُمُورِ ليَكُونَ تَصَرُّفنا عَلَى وجهٍ سليمٍ.
ولكِن مَعَ ذلك أقول: إنَّهُ إذا تجاوز الْإِنْسَان هَذِهِ الفتنةَ حصلَ له الثباتُ والاستقرارُ؛ لِأَنَّهُ يطمئنّ قلبُه ويرسُخ فِي هَذِهِ الأُمُورِ ولا يَزيغ بإذن الله بَعْد ذلك، لكِن قد يُفْتَن المرء، فلْينظُرْ، ولهَذَا قَالَ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ تُفتنون بالخيرِ والشرّ، ووجهُ الفتنةِ فِي هَؤُلَاءِ: البلاء الَّذِي أصابهم بسببِ دعوةِ صالحٍ إِلَى عبادةِ اللهِ فَكَفَرُوا فعُوقِبُوا، فهَذه من الفتنِ؛ لِأَنَّهُم قالوا: أنت سَبَبُها، وَفِي الحقيقة أن أَسْبابها هم أنفسهم، ففُتِنُوا بذلك.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: بَيَان مَسْلَكِ المكذِّبين للرسلِ؛ أَنَّهُم يسلكون مسالِكَ التشبيهِ والتمويهِ؛ لِقَوْلهِم حين أُصيبوا بالجدبِ والقَحْط: ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾، مَعَ أن هَذَا الأَمْر من الله ﷾، وَلَيْسَ بأَسْبابِ النبيِّ، وهكَذَا أهلُ الباطلِ يُشَبِّهون ويُلبِّسون عَلَى النَّاس بمثل هَذِهِ الأُمُور.
الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أنّ المصائب الَّتِي تُصيب الْإِنْسَان إِنَّمَا هِيَ من اللهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: ﴿طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾، ولا ينافي هَذَا قولَه تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠]، ولا قولَه: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١]؛ لِأَنَّ نِسبة هَذِهِ الأُمُورِ إِلَى اللهِ نسبة خَلْقٍ وإيجادٍ، ونسبتها إِلَى المخلوق نسبةُ تسبُّبٍ، فهي تُضافُ إِلَى النَّاس إضافةَ الشَّيْءِ إِلَى سببِهِ، وتُضاف إِلَى الله ﷾ إضافة المخلوق إِلَى خالقِه، وَعَلَى هَذَا يزول إشكالُ كثيرٍ منَ الآيَاتِ الَّتِي ظاهرها التعارُض فِي هَذَا البابِ.
1 / 271