208

تفسير العثيمين: النمل

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وعَلَى كُلِّ حالٍ: هَذِهِ المسألة لا نَحْكُمُ فيها بحُكْمٍ عامٍّ، بل نحكم فيها بالقضيَّة المعيَّنة، ونَقُول: يُقدَّم هَذَا عَلَى هَذَا عندما تحصل القضية المعيَّنة.
فالحاصل إِذَنْ: أقسام النَّاس باعتبارِ العَمَلِ أو باعتبارِ القيامِ بالعَمَلِ أربعةٌ: قويّ أمين، وضعيف خائن، وقوي خائن، وضعيف أمين.
ومعلوم -كما تقدَّم- أنَّ الأوَّل يُقدَّم عَلَى كُلّ حالٍ، والثاني يؤخَّر عَلَى كُلّ حال، والثَّالث والرَّابع بينهما تزاحُم، فيُنظَر إِلَى ما كَانَ يَستدعي الْقُوَّة أكثر فيُقدَّم فِيهِ القوي، وما كَانَ يستدعي الأمانة أكثر يُقدَّم فِيهِ الأمين، وما احتمل أمرينِ يُنظَر فِيهِ إِلَى القضية المعينة حَتَّى نستطيع أن نقدِّم هَذَا عَلَى هَذَا ... إِلَى آخره.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن سُلَيْمَان ﵊ قد رتَّب شؤون حياته، وأن له مجلسًا خاصًّا معروفًا معيَّنًا؛ لِقَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾؛ لِأَنَّ قوله: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ لَا شَكَّ أَنَّهُ مُقدَّرٌ بمدَّة معلومة، وإلَّا لم يكن لذلك فائدة؛ لِأَنَّ قيامه من مقامِه إذا لم يكن معلومًا فهلْ يُدْرَى متى ينتهي؟ ! قد يبقى يومًا كاملًا فِي مكانِهِ وقد لا يبقى إِلَّا دقيقةً واحدةً، فلولا أَنَّهُ ﵊ قد رتَّب أوقاته حَتَّى أصبحتْ معلومةً للناس ما قَالَ مثل هَذَا الكَلام.
وأمَّا تقديره بما قاله المفسِّر: من الغداة إِلَى نصفِ النَّهارِ، فهَذَا لا نَدري، اللهُ أَعْلَمُ.
عَلَى كُلِّ حَالٍ: يؤخَذ منه أن سُلَيمَان ﵊ كَانَ قد رتَّب أوقاته حَتَّى صارتْ معلومةً، وهَذَا لا سيما بالنِّسْبَةِ للإِنْسَانِ المُرادِ -الَّذِي يريده النَّاسُ- أَمْرٌ مِنْ أهمِّ الأُمُور، أَنَّهُ يرتِّب أموره حَتَّى إن الْإِنْسَان الَّذِي يريده فِي حاجة يعلم أَنَّهُ فِي هَذِهِ الساعةِ يجده، وَفي الساعة الأُخْرَى لا يجده فيستريح، مثلًا يرتِّب لنفسِه جلسةً فِي بيتِه

1 / 212