208

تفسير العثيمين: الشعراء

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وقالُوا في المَعْنى الأخير: منه قولُهم: أرضٌ عَزَازٌ، يَعْنِي: صُلبة قويَّة مُمْتَنِعة، ليستْ رِخْوَةً ليِّنة.
وأمَّا الرَّحِيمُ فمعناهُ: ذو الرحمةِ الواصلة إلى خَلْقِه؛ لأن: (الرَّحِيم) غيرُ (الرَّحْمن)، وأهل السنَّة والجماعة يُثْبِتُون الرحمةَ للهِ حقيقةً، وغيرُهم يُؤَوِّلُها بأنَّ المُرادَ بها الإحسانُ، أو إرادة الإحسانِ، يَعْنِي أنَّهم يُثْبِتُونها إلى لازِمِها؛ لأن الرحمةَ هي الرِّقَّة، والله ﷾ منزّه عن الرِّقَّة! فيُقال: مَن قال لكم: إن اللهَ منزَّه عن رِقَّة الرحمةِ؛ لأن الله ﷾ يَرْحَمُ عبدَه، بمَعْنى أنَّه يَعْطِف عليه، وأيّ مانعٍ يَمْنَع اللهَ منَ العطفِ؟ ! فالقاسي ليس بمحمودٍ، أمَّا اللَّيِّن فهو المحمودُ لا شكّ.
ثم إننا نقول: إنَّ لِينَ الإِنْسانِ غيرُ لينِ اللهِ ﷾؛ لأنَّ لِينَ الإِنْسانِ سَبَبُه الضعفُ أحيانًا، وعدمُ القُدْرَةِ، ولهذا يَرْحَمُ الإِنْسانُ أحيانًا مَن لا يَسْتَحِقّ الرحمةَ؛ لأنه ما عنده إلا مجرَّد العاطفة؛ عاطفة اللِّين، الَّتي سببها الضعفُ، أمَّا الله ﷿ فإنّ رحمته رحمةُ قوّةٍ، ورحمة حِكْمة، ولهذا يُعذِّبُ أهلَ النارِ ذلك العذابَ العظيم، وهو أرحمُ الراحمينَ.
فإن الأدلَّة على رحمة الخالِقِ ليستْ كرحمةِ المخلوقِ.
فوائدُ الآيَات الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أن الله ﷾ أنجَى مَن معَه منَ المُؤمِنينَ بناءً على دعائِه، وأنجى غيرَهم أيضًا ممَّا يحتاجونَ إلى وُجودِهِ ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الإشادة بهذا الفُلك، فقال ﷾: ﴿وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾، وهذا من وجوهٍ:

1 / 213