تفسير العثيمين: آل عمران
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٣٥ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وقوله تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾:
﴿نَزَّلَ﴾: التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل، ويكون بالتدريج شيئًا فشيئًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]. وقال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢].
فقوله: ﴿نَزَّلَ﴾ يفيد أن هذا القرآن من عند الله، وأنه نزل بالتدريج ليس مرة واحدة.
وقوله: ﴿عَلَيْكَ﴾ الضمير يعود على الرسول ﵊، وقد بيّن الله تعالى في آية أخرى أنه نزل على قلب الرسول ﷺ؛ ليكون أدل على وعيه لهذا القرآن الذي نزل عليه؛ كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤].
وأما التعبير بـ ﴿إِلَيْكَ﴾ في نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢]، فهو يفيد الغاية، يعني نهاية الإنزال إلى الرسول.
﴿الْكِتَابَ﴾ هو هذا القرآن، وهو فِعال بمعنى مفعول، فهو كتاب؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ [الواقعة: ٧٧ - ٧٨] أي اللوح المحفوظ، وهو كتاب في الصحف التي بأيدي الملائكة: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ [عبس: ١٢ - ١٥]، وهو كتاب في الصحف التي بأيدينا، فهو مكتوب بأيدينا، ونقرؤه من هذه الكتب.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ الباء يجوز أن تكون بمعنى أنه متلبس
1 / 8