57

تفسير العثيمين: الفرقان

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

الآية (١٢) * * * * قالَ اللَّه ﷿: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢]. * * * قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا﴾ غَلَيانًا كالغضبانِ إذا غَلَى صَدرُه منَ الغَضَب ﴿وَزَفِيرًا﴾ صوتًا شديدًا أو سماعَ التغيُّظ رُؤْيته وعِلمه]. قوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾، الفاعل هي السَّعير، وفيه دليلٌ على أنها تَرَى، وهَذِهِ الرؤيةُ يجِب أن نَحْمِلَها على المعنى الحقيقيِّ، ولا يمكِن أن نقولَ: إن هَذَا من باب الاستعارة، وإنه معنًى مجازيٌّ؛ لِأنَّهُ من الجائز أن يخلُق اللَّه تَعَالَى فيها إدراك الرؤيَة، وإن كانتْ هي ليستْ من ذواتِ الرؤيةِ في العادةِ، ولَكِن اللَّه ﷿ على كلِّ شَيْءٍ قدير، كما أن الأرضَ تَسمَع وتحدِّث: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: ٤]، والمؤذِّن لا يسمع صوته شَجَرٌ ولا مَدَرٌ إلا شَهِدَ له يومَ القيامةِ (^١)، فنحن نقولُ: ليسَ في هَذِهِ الآية استعارة، بل هي على المعنى الحقيقيِّ، وأن النار ترَى؛ لِأَنَّ اللَّه أخبرَ أنها ترى ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ [الفرقان: ١٢]، وما المانِع مِن أن اللَّه يخلُق بها هَذِهِ الحاسَّة، بدليل قوله أيضًا: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا﴾ [الفرقان: ١١٢] التغيُّظ من المعروف أَنَّهُ لا يَكُون إلا من ذواتِ الشُّعور، ولَكِنْ مع هَذَا يجِبُ أن نقولَ: إِنَّهُ في هَذِهِ الآية على ظاهره، وإنها تَتغيَّظ ويُسمَع لِتغيُّظِها صوتٌ مثل تغيُّظ الإنْسَان الغضبانِ، إذا امتلأَ

(^١) أخرجه ابن خزيمة (١/ ٢٠٣، رقم ٣٨٩).

1 / 62