تفسير العثيمين: الفرقان
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي﴾ والمراد به اللَّه ﷾: ﴿إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾ قَالَ المُفَسِّر ﵀: [الَّذِي قالوه من الكَنز والبُستان]، ما هو الخير؟ أبدل منه قوله: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، قَالَ المُفَسِّر ﵀: [أي في الدُّنْيا؛ لأنَّهُ شاءَ أن يُعْطِيَهُ إيَّاها في الآخرة ﴿وَيَجْعَلْ﴾ بالجزم ﴿لَكَ قُصُورًا﴾ أيضًا، وفي قراءة بالرفع استئنافًا (^١)].
قول المُفَسِّر ﵀: [أي في الدُّنْيا؛ لِأنَّهُ شاء أن يعطيَه إياها في الآخِرة]، ليس له داعٍ؛ لِأَنَّ السياق يُغني عن هَذَا القيد؛ إذ إن هَؤُلَاءِ يَقترِحون أنْ تكونَ هَذِهِ الأمور السابقة لهم في الدُّنْيا، فيقول اللَّه ﷾: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا﴾، فالقيد الَّذِي ذكره المُفَسِّر كأنه يقول جوابًا عن الإيراد الَّذِي يرِد علينا؛ وهو أن اللَّه ﷾ قد شاء أن يعطيَ رسوله جنة الآخرة، فقيَّد الآية بالدُّنْيا.
نقول: لا حاجة لهذا القيد؛ لأَنَّهُمْ هم لا يريدون أن اللَّه يجعل له كنزًا وجنةً في الآخرة، يريدون أن تكون له في الدُّنْيا، فيقول اللَّه: لو شاء أن يجعل لك ذلك لجعل لك خيرًا منه، وهي هَذِهِ البساتين، وهم يقولون: ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ والَّتِي يجعل اللَّه بدلًا عنها لو شاء جناتٍ ليست جنَّةً وَاحِدةً.
قوله: ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ الجَنَّة ربما يُؤكَل منها، وهي ليس فيها أنهارٌ، يعني يمكن أن يشربَ النخيلُ والأشجار بعروقِه، لكِن قوله: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أبلغ وأتَمُّ؛ لأنَّ لجِريانِ الماءِ في أنهارِهِ شَهوة بَصَرِيَّة يَتَلَذَّذُ بها الإنْسَان عند رؤيته إيَّاها زيادةً على كثرة الماء على البُستان الَّذِي يَكُون سَبَبًا لكثرة نَمائِهِ وقوَّتِه.
وقوله: ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾ فيها قراءتان (يَجْعَلْ) بالسكون و"يجعلُ" بالرفع،
_________
(^١) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٦٤).
1 / 58