تفسير العثيمين: الفرقان
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
أَنَّهُ فعل الشَيْء ولم يفعلْه، هَذَا الَّذِي حصل، وهي مدة وجيزة أيضًا، ولم يؤثر هَذَا في الرِّسَالة، فما قَالَ شيئًا في الرِّسَالة مما يمكِن أن تتغير به الرِّسَالة في هَذِهِ المدَّة.
فالحاصِلُ: أنَّ الاستدلالَ بهَذه الآيةِ على إبطال أحاديثَ صحيحةٍ متواترةٍ لا شكَّ أَنَّهُ جُرأةٌ عظيمة، فلو كانت الأحاديث ضعيفة أو كانت الأحاديث مثلًا من الأحاديث الَّتِي في أَدنَى مراتب الصحة لَكِنَّا نقول: إن هَذَا له وجهٌ، وَأَمَّا أحاديث صحيحة مشهورة متواتِرة ونُبطِلها بمثل هَذَا الأمر فلا يمكن، ولذلك الصواب، بل اليقين المتيقَّن المتعيَّن أن ذلك وقع للرسول ﵊، ولَكِنَّ اللَّه تَعَالَى أنزل عليه سورتينِ ثُمَّ هُدِيَ إلى مَحَلّ السِّحر، وسِحره كان في بِئْرِ أَرِيسٍ، وكان في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ (^١) يعني كافورًا، كافور الفَحل يَكُون كبيرًا وَيَسَع، هَذَا السحر وُضِعَ للرسول ﵊ في مُشط: الَّذِي يكَد به الرأسُ، والمُشاطة: الشَّعر الَّذِي يتناثر مع الكد، وجُعل هَذَا الكافورُ في البئر الَّذِي كان الرَّسول ﷺ يأتي إليه، وذهب النَّبي ﵊ وأمر بأن يُخرَج هَذَا السحر فأُخرِجَ السحرُ فنُقِضَ، فعافاه اللَّه ﷾.
قوله: ﴿فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾: ﴿سَبِيلًا﴾ بمعنى طَريقًا، وهو طَريق إلى الهدى، والعياذ باللَّه، وفي هَذَا تحذير -كما أشرنا إليه أولًا- من أن يتابع الإنْسَان الشُّبه الَّتِي تَرِد عليه، وأنه يَجِب على الإنْسَان أن يَبْتَعِدَ عن هَذَا كلِّه.
* * *
_________
(^١) أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب السحر، رقم (٥٧٦٣)، ومسلم: كتاب السلام، باب السحر، رقم (٢١٨٩).
1 / 56