تفسير العثيمين: الفرقان
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
فالعُبُودية للَّه ﷿ لا شكَّ أنها مَفْخَرَةٌ للعابدِ إذا أُضيفتْ إلى اللَّهِ.
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿الْفُرْقَانَ﴾ القُرْآن لِأَنَّهُ فَرَّق بينَ الحقِّ والباطلِ]، وكذلك بين الخيرِ والشرِّ، ثُمَّ قَالَ ﵀: [﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ مُحَمَّد ﷺ ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ﴾ أي الإنس والجِنّ دونَ المَلائِكةِ].
قوله: ﴿لِيَكُونَ﴾ الضمير يعود على مُحَمَّدٍ ﷺ لقولِهِ ﷾: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٤٦]، فالنَّذير مُحَمَّد ﷺ.
ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الضمير في قوله: ﴿لِيَكُونَ﴾ أي الفُرقان نذيرًا للعالمينَ؛ لِقَولِه ﷾: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأَنعام: ١٩]، فجعل الإنذارَ بالقُرْآنِ، ولَكِنْ هَذَا ليسَ براجِحٍ، بل الراجح الأوَّل.
أولًا: لِأَنَّ الضميرَ يعود إلى أقربِ مذكورٍ، وقوله ﷿: ﴿لِيَكُونَ﴾ الَّذِي قبلَه مباشرةً: ﴿عَبْدِهِ﴾.
ثانيًا: أن اللَّه وَصَفَ النَّبي ﷺ بذلك في قولِه ﷾: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥].
وقوله ﷾: ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ العَالَم، يقول المُفَسِّر ﵀: [الإنس والجن دون الملائكة]، أَمَّا الإنسُ فظاهِرٌ، وَأَمَّا الجِنُّ فكذلك أيضًا دَلَّتِ النصوص عَلَى أَنَّ النَّبي ﷺ مُرْسَلٌ إليهم.
والدليل على هَذَا قوله تَعَالَى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ [الأحقاف: ٢٩]، وقوله: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: ١]. وكذلك النَّبي ﵊ قال لهم: "لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ
1 / 16