192

تفسير العثيمين: العنكبوت

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

قوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ﴾ الجملَةُ مؤكَّدة بثلاثِ مُؤَكِّدَاتٍ، وهي: القَسَمُ المقدَّرُ، واللامُ، وقَدْ، ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى﴾ من قَبْلِ الهلاكِ، ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾، (الباء) هنا للمصَاحَبَةِ، يعني: أتاهُمْ إتْيانا مَصْحوبًا بالْبَيِّنَاتِ؛ لأن اللَّه تعالى لا يُرْسِلُ رَسُولًا إلا أعْطاهُ من الآياتِ ما يؤمِنُ على مِثْلِه البَشَرُ (^١)؛ لأن الحِكْمَةَ والرَّحْمَةَ تقْتَضِي هذا، إذ ليس مِنَ الحكمةِ أن يُرسَل رسولٌ من البشَرِ إلى الناس ويقول: إني رَسولٌ بِدُونِ بَيِّنةٍ، فلا بُدَّ من بَيِّنةٍ، أي: آية واضِحة تدُلُّ على أنه رسولُ، ولهذا قال: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾، أي: بالآياتِ البَيِّناتِ والحُجَجِ الظاهرات، منها العَصَا ومنها اليدُ، وكذلك السُّنُونَ التي أخَذُوا بِهَا، ولكن مع هذا لم يَنْتَفِعُوا، نسألُ اللَّهَ العافيةَ.
قوله ﷿: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾: (استكبروا): بمعنى تكبَّرُوا وعَلَوْا وارتفعوا على الحقِّ ولم يَقْبَلُوا، ونَاظَر موسى فِرعَونَ وهدَّده حتى وصل الأمْرُ إلى أن قال: ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: ٢٩].
قوله ﵀: [﴿وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ فَائِتِينَ عَذَابَنا]، يعني: ما كانوا سباقِينَ لنَا فلم يَسْبِقُونَا، والسَّبْقُ بمعنى الفواتِ، فإذا قلت: سابَقْتُ إنْسانًا وسَبقَكَ، أي: فاتك وعَجَزْتَ عنه، هؤلاءِ مع استكْبَارِهِمْ وعظَمتِهِمْ وعُلُوِّهِم ما سبقوا اللَّه ﷿ أبَدًا.
لو قالَ قائلٌ: ﴿وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾، هل يؤخذُ منه أن غَيرَهُمْ سبَقَهُم إلى هذا العملِ؟

(^١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل، رقم (٤٦٩٦)؛ ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ. .، رقم (١٥٢)، عن أبي هريرة، واللفظ لمسلم: "مَا مِنْ الْأَنِبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ".

1 / 196