تفسير العثيمين: العنكبوت
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
أما المنْقَطِعةُ: فهي التي تأتِي بمعنى (بَل)، وليست بمعنى (أَوْ)، ولا تقعُ بعدَ همزةِ التَّسْوية، ولا بينَ مُتَقابلينِ.
فهنا ﴿أَم حَسِبَ﴾ بمعنى: بَلْ أحسَبُ، وهذا الإضرابُ إضرابُ انتقالٍ وليس إبْطَالًا، يعني: بعد أن ذَكَرَ اللَّه ﷿ وأنْكَر على الذين حَسِبُوا أن يُتْركوا أن يَقُولوا: آمنَّا وهم لا يُفتَنُون، انتَقَل ﷿ إلى ذِكْر صِنفٍ آخرَ من النَّاس، وهم الذِينَ لم يقُولوا: آمنا ولم يُؤمِنوا، بل هم يَعْملونَ السيِّئاتِ، ويَظُنُّون أن اللَّه تعالى لن يُحيطَ بهم.
وقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾، يعني: يَعْملونَ الأعمال السيِّئةَ، والسيئُ: ما يسُوءُ فاعِلَهُ، وكل عَمَلٍ محرَّمٍ فإنه سَيِّئ؛ لأنه يسوءُ صاحِبَه، بِمَا يجِدُ فيه مِنَ العُقوبةِ الحاضِرَةِ والمستْقبلِيَّة.
وقولُه ﵀: [الشِّرْك والمعَاصِي]، أفادَنَا المُفَسِّر أن السيِّئةَ هنا تَعُمُّ الصَّغائرَ والكَبائرَ، الكبائرُ: التي أعْلاهَا الشِّركُ، والصَّغائرُ: ما دُونَ الكَبائرِ، وهي المعَاصِي، فهي تشمَلُ كلُّ ما يسُوءُ فاعِلَهُ من مَعصِيةِ اللَّهِ تعالى في الشِّرْك فما دُونَهُ.
قوله ﷾: ﴿أَن يَسْبِقُونَا﴾ هذا مَفعولُ (حَسِبَ)، ﴿أَن يَسْبِقُونَا﴾، أي: [يَفُوتُونَا فلا نَنْتَقِمُ منهم]، والسَّبْقُ: بمَعْنى الفَواتِ، كما تقول: سَبْقتُ فلانًا، يعني: فُتُّهُ لم يُدْرِكْني، فهؤلاء يَظُنُّونَ أن اللَّه ﷿ لا يُدْركُهم، وأنَّ اللَّه لا يَنْتَقم منهم، وهذا بلا شكٍّ سوءُ ظَنٍّ باللَّه ﵎، ولهذا قال: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُون﴾، أي: ساءَ حُكْمهم هذا، وهو حُسبانُهم أن اللَّهَ تعالى لن يُدْرِكَهُمْ.
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿سَاءَ﴾ بِئسَ ﴿مَا﴾]، وبئسَ: فِعل ماضٍ جامد لإنشاءِ الذَّمِّ، و﴿مَا﴾ بمعنى: الَّذي، فهِي اسمٌ مَوصُولٌ.
1 / 18